قال عيسى بن عبد الله : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول :
لو خيّرني مخيّر بين أن يسجر لي تنور فأرمي بنفسي فيه ، فاحترق به ولا أبعث ، وبين أن أبعث ولا أحاسب ويؤمر بي إلى الجنة ، لظننت أنّي سأموت من الفرح بالتنور من قبل أن أصير إليه ، قال : قلت : أنّى ومع البعث إلى الجنة فقال لنا : فأين الوقوف بين يدي الله عزوجل والتوبيخ.
وكان أحمد بن أبي الحواري كريم الأخلاق ، وكان من كرم أخلاقه أنه كان لا يزن كسرا ولا يأخذ كسرا ، وإذا كان له درهم وكسر أخذ الدرهم ولم يأخذ الكسر ، وإذا كان عليه وزن درهم ونصف وزن درهمين.
قال : وأحسن ما سمع منه : جاءه مولود ، ولم يكن له شيء من الدنيا ، فقال لتلميذ له قد جاءنا البارحة مولود ، خذ لنا وزنة دقيق بنسيئة ، فقال تلميذه : والله إنّ هذه لمسبّة على علماء الشام وعقلائها إذ لا يفتقدون هذا الشيخ ، يجيئه مولود فلا يملك ثمن وزنة دقيق.
قال : وكان بعض التجار قد وجّه متاعا إلى مصر ، فنوى إن سلّمه الله في ذهابه ومجيئه أنّ لأحمد مائتي درهم صحاحا. فلما جاء المولود جاء المتاع ، فدفع التاجر المائتي درهم إلى غلام له وقال : ادفعها إلى أحمد ، وقل له : إنّ سيدي نذر إن سلّم الله متاعه فلك فيه مائتا درهم ، وقد سلّمه الله عزوجل ، فقال تلميذه : الحمد لله قد فرّج عن الشيخ ، فالدراهم بين يديه ، حتى جاءه رجل فقال : يا أحمد البارحة جاءني مولود ، عندك من الدنيا شيء؟ فرفع رأسه إلى السماء وقال : يا مولاي ، هكذا بالعجلة ودفع المائتي الدرهم إليه ، ثم قال لتلميذه : قم ويحك جئنا بالدقيق (١).
قال أحمد بن أبي الحواري :
قلت لأبي سليمان : صليت صلاة في خلوة فوجدت لها لذة ، قال : وأي شيء ألذّك فيها؟ قلت : حيث لم يرني أحد ، فقال : إنك لضعيف حيث خطر بقلبك فكر الخلق.
قال محمد بن عوف (٢) :
__________________
(١) رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٦٤ (ط دار الفكر) (حوادث سنة ٢٤٦).
(٢) الخبر من طريقه رواه الذهبي في سير الأعلام ١٠ / ٨٥ (ط دار الفكر).