لا نقطعت سلسلة العلم من البلاد ولطغى عليها الجهل المطبق ، على أن كل ما يستهدفه ذلك الرهط من التعليم في مدارسهم ولا سيما في المائة الثالثة عشرة وأوائل المائة الرابعة عشرة كاد يتمحض لتعليم علوم الفقه وأصوله والتوحيد والنحو والصرف والبيان والمنطق ، وما عدا ذلك من العلوم الأخرى المثقفة والمهذبة للنفوس ولو بأساليبها القديمة فلم تكن منها لا في العير ولا في النفير.
خرج المترجم له من كتّابه وهو لم يتزود منه غير بلغة يسيرة لا تسمن ولا تغني من جوع ، وفي نفسه نزوع إلى ارتشاف مناهل العلم غرسه فيها والده الذي كان على جانب من التقى والصلاح ومحبة العلم والعلماء ، ولم تمنعه سن الأربعين أن يتلقى القرآن الكريم في صفوف الناشئين في كتّابهم وأن يسعى لاكتساب ما ينفقه على أسرته.
لاحظ الوالد ميل ولده سليمان للتعليم الذي وجهه إليه وهو يرى وسائله مفقودة في بلده ، والرحلة إلى غيره خارجة عن حدود طاقته ، والمدارس الدينية الخاصة قد أقفل أكثرها ، ولم يبق منها في البلاد سوى مدرستين أو ثلاث ، والرحلة إليها شاقة متعذرة على ناشئ في الحادية عشرة من السن ، فلم يجد وسيلة لقضاء حاجة ولده الملحة من طلب العلم أقرب من أن يلتمس من صديقه السيد محمد نور الدين الموسوي من العلماء الأجلة المقيم في قرية النبطية الفوقا على بعد ميل وبعض الميل من بلده منحه جزءا من وقته يلقنه به مبادئ النحو ، فأجابه إلى ما التمسه ، فأخذ يتردد عليه صباح كل يوم ويقرأ عليه بعض المتون في علم النحو ، وثابر على ذلك مدة من الزمن إلى أن تهيأت له الرحلة مع رفيق له إلى مدرسة العلامة السيد حسن آل إبراهيم الحسيني التي أنشأها في قرية النميرية من أعمال مقاطعة الشومر على بعد سبعة أميال من النبطية.
مكث سليمان في هذه القرية بضعة أشهر يدرس في مدرستها مبادئ