بعده ، فعادت جذعة ، وكانت ثورة الأشياخ في غرناطة في رمضان من العام المذكور هاتفين بخلعان السلطان ، وطاعة مخلوعهم ، وطالبين منه إسلام وزيره خدن الروم ، المتهم على الإسلام أبي عبد الله (١) بن الحاجّ. ثم لحق زعماؤهم بمالقة عند اختلال ما أبرموه ، فكانت الحركة الثانية لغرناطة بعد أمور اختصرتها ، من استبداد السلطان أبي الوليد بأمره (٢) ، والانحطاط في القبض على أبيه ، إلى هوى جنده ، والتصميم في طلب حقّه ، فاتصل سيره ، واحتلّ بلوشة سرار شوال فتملّكها. ورحل قافلا إلى وطنه ، طريد كلب الشتاء ، وافر الخزانة ، واقتضى الرأي الفائل ممّن له النظر الجاش من زعيم شيوخ جندها ، اتّهاما له بالطاغية ، فسجنه. ثم بدا له في أمره ، ثم سرّحه بعد استدعاء يمينه ، فوغرت صدور حاشيته ، وتبعهم من كان على مثل رأيهم ، وهو شوكة حادّة ، فصرفوا الوجوه إلى السلطان المقبل الحظ ، المحبوب إليه هوى الملك ، بما راعه ، ثانيا من عنانه بأحواز أرجدونة ، إلّا تثويب داعيهم ، فكرّ إلى المدينة وبرز إليه جيشها ، ملتفّا على عبد الحق بن عثمان ، فأبلى (٣) ، وصدق الحملة ، فكادت تكون الدائرة ؛ فلو لا ثبوت السلطان لما استقبلت بأسفلهم الحملة ، فولّوا منهزمين ، وتبعهم إلى سور المدينة ، وقد خفت اللّفيف والغوغاء النّاعقون (٤) بالخلعان ، الشّرهون إلى تبديل الدّعوات ، وإلى (٥) تسنّم المآذن والمنارات (٦) والرّبا. وبرز أهل ربض البيّازين ، الهافّون إلى مثل هذه البوارق ، إلى شرف ربوتهم (٧) ، كلّ يشير مستدعيا إعلانا بسوء الجوار ، وملل الإيالات ، والانحطاط ، وبعد التلوّن والتقلّب ، وسآمة العافية ؛ شنشنة معروفة في الخلق مألوفة. وبودر غلق باب إلبيرة ، ففضّ (٨) قفله ، ودخلت المدينة ، وجاء (٩) السلطان إلى معقل الحمراء بأهله وذخيرته وخاصّته ، وبرز السلطان أبو الوليد بالقصبة القدمى تجاهها ، بالدار الكبرى المنسوبة لابن المول ، ينفذ الصكوك ، ويذيع العفو ، ويؤلف الشّارد ، وضعفت بصائر المحصورين ، وفشلوا على وجود الطعمة ، ووفور المال ، وتمكّن المنعة ، فالتمسوا لهم ولسلطانهم عهدا نزلوا به ، منتقلين إلى مدينة وادي آش ، في سبيل العوض بمال معروف ، وذخيرة موصوفة ؛ وتمّ ذلك ، وخرج السلطان رحمه الله مخلوعا ، ساء به القرار ، جانيا على ملكه الأخابيث والأغمار ، ليلة الثامن والعشرين من شوّال عام ثلاثة عشر وسبعمائة ، واستقرّ بها
__________________
(١) في اللمحة : «الإسلام محمد ابن الحاج».
(٢) في اللمحة : «بنفسه».
(٣) في اللمحة : «وأبلى في الدفاع ، فكادت تقع به الدبرة لو لا ثبوت ...».
(٤) في اللمحة : «والناعقون».
(٥) في اللمحة : «إلى».
(٦) في اللمحة : «والمنازه».
(٧) في اللمحة : «بيوتهم».
(٨) في اللمحة : «فنقض».
(٩) في اللمحة : «ولجأ».