مقتله : قال أبو مروان في الكتاب المسمّى بالمتين : واستراح باديس أياما في غرناطة يهيم بذكر الجرجاني ، ويعض أنامله ، فيعارضه فيه أخوه بلكّين ، ويكذب الظنون وسعى في تخليصه ، فارتبك باديس في أمره أياما ، ثم غافض أخاه بلكين فقتله وقتا أمن فيه أمر معارضته ؛ لاشتغاله بشراب وآلة ، وكانت من عادته ؛ فأحضر باديس الجرجاني إلى مجلسه ، وأقبل يشتمه ويسبّه ويبكّته ، ويطلق الشماتة ويقول ، لم تغن عنك نجومك يا كذّاب ، ألم يعد أميرك الجاهل؟ يعني يدّير ، أنه سوف يظفر بي ويملك بلدي ثلاثين سنة ، لم لم تدقّق النظر لنفسك وتحذر ورطتك؟ قد أباح الله لي دمك. فأيقن أبو الفتوح بالموت ؛ وأطرق ينظر إلى الأرض ، لا يكلّمه ولا ينظر إليه ؛ فزاد ذلك في غيظ باديس ، فوثب من مجلسه والسيف في يده ، فخبط به الجرجاني حتى جدّ له وأمر بحزّ رأسه ؛ قال : وقدّم الصّنهاجي الذي كان محبوسا معه إلى السيف ، فاشتدّ جزعه ، وجعل يعتذر من خطيئته ، ويلحّ في ضراعته ؛ فقال له باديس : أما تستحي يا ابن الفاعلة ؛ يصبر المعلم الضعيف القلب على الموت مثل هذا الصبر ، ويملك نفسه عن كلامه لي واستعطافي ، وأنت تجزع مثل هذا الجزع؟ وطال ما أعددت نفسك في أشدّاء الرجال ، لا أقال الرجال ، لا أقال الله مقيلك ؛ فضرب عنقه ، وانقضى المجلس.
ومن تمام الحكاية ممّا جلبه ابن حيّان ، قال : وكلّم الصنهاجيّون باديس في جثّة صنهاجهم المقتول مع أبي الفتوح ، فأمرني بإسلامها إليهم ، فخرجوا بها من فورهم إلى المقبرة على نعش ، فأصابوا قبرا قد احتفر لميت من أهل البلد ، فصبّوا صاحبهم الصّنهاجي فيه ، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة ، فعجب الناس من تسحّيهم في الاغتصاب حتى الموتى في قبورهم.
مولده : سنة خمسين وثلاثمائة.
وفاته : كما ذكر ليلة السبت لاثنتين بقيتا من محرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. قال برهون من خدّام باديس : أمرني بمواراة أبي الفتوح إلى جانب قبر أحمد بن عباس ، وزير زهير العامري ، فقبراهما في تلك البقعة متجاوران ، وقال : اجعل قبر عدوّ إلى جانب عدو إلى يوم القصاص ، فيا لهما قبران أجمّا أدبا لا كفاء له ، والبقاء لله سبحانه.
جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي
من أهل غرناطة ، ويعسوب الثاغية والراغية (١) من أهل ربض البيّازين ، يكنى أبا
__________________
(١) يعسوبهم : سيدهم ورئيسهم. والثاغية : الشاة ؛ يقال : ما له ثاغية ولا راغية : أي ليس له شاة ولا ـ