وتتابع الجمع ، والتفّ بهم من أهل الجهاد من المطوعة ، واتصل منهم السير إلى قرية دلر (١) من قرى غرناطة ؛ وكان من استمرار الهزيمة على ابن همشك الذي أمدّه بنفسه وجيشه ، من نصارى وغيرهم ، ما يأتي ذكره عند اسم ابن مردنيش في الموحدين ، في حرف الميم ، بحول الله تعالى.
انخلاعه للموحدين عمّا بيده وجوازه للعدوة ، ووفاته بها :
قالوا (٢) : ولمّا فسد ما بينه وبين ابن مردنيش بسبب بنته التي كانت تحت الأمير أبي محمد بن سعد بن مردنيش إلى أن طلّقها ، وانصرفت إلى أبيها ، وأسلمت إليه ابنها منه ، مختارة كنف أبيها إبراهيم ، نازعة في انصرامه إلى عروقها ؛ فلقد حكي أنها سئلت عن ولدها ، وإمكان صبرها عنه ، فقالت : جرو كلب ، جرو سوء ، من كلب سوء ، لا حاجة لي به ؛ فأرسلت كلمتها في نساء الأندلس مثلا ؛ فاشتدّت بينهما الوحشة والفتنة ، وعظمت المحنة ، وهلك بينهما من الرعايا الممرورين ، المضطّرين ، بقنّينة (٣) الثوّار ممّن شاء الله بهلاكه ، إلى أن كان أقوى الأسباب في تدمير ملكه.
ولمّا صرف ابن سعد عزمه إلى بلاده ، وتغلّب على كثير منها ، خدم ابن همشك الموحّدين ولاذ بهم واستجارهم ؛ فأجاز البحر ، فقدم على الخليفة عام خمسة وستين وخمسمائة ، وأقرّه بمواضعه ؛ إلى أوائل عام أحد وسبعين ، فطولب بالانصراف إلى العدوة بأهله وولده ، وأسكن مكناسة وأقطع بها سآما (٤) لها خطر ، واتّصلت تحت عنايته إلى أن هلك.
وفاته : قالوا : واستمرّ مقام ابن همشك بمكناسة غير كبير ، وابتلاه الله بفالج غريب الأعراض ، شديد سوء المزاج ، إلى أن هلك ؛ فكان يدخل الحمّام الحارّ ، فيشكو حرّه بأعلى صراخه ، فيخرج ، فيشكو البرد كذلك ، إلى أن مضى سبيله (٥).
إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين
أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب
ابن عبد الحقّ
يكنى أبا سالم.
__________________
(١) دلر : بالإسبانيةDilar وهي قرية ما تزال حتى اليوم ، وتقع جنوب غرناطة ، ووادي دلرRio Dilar قريب من قرية الهمدان. تأريخ المن بالإمامة (ص ١٩١).
(٢) قارن بتأريخ المن بالإمامة (ص ٤١٣).
(٣) قنينة الثوار : حظيرتهم.
(٤) السآم والسوام : الإبل الراعية.
(٥) توفي ابن همشك في عام ٥٧٢ ه.