مائة دينار وازنة ؛ وكان يعقد لغيره إلى ستة أشهر ، ثم يدال بنظيره من غيرهم ؛ ولم يكن الدّيوان والكتبة إلّا في الشّاميين خاصّة ؛ وكانوا أحرارا من العشر ، معدّين للغزو ، ولا يلزمهم إلّا المقاطعة على أموال الرّوم التي كانت بأيديهم ؛ وكان العرب من البلديين يؤدّون العشر ، مع سائر أهل البلد ، وكان أهل بيوتات منهم يغزون كما يغزو الشاميّون ، بلا عطاء ، فيصيّرهم إلى ما تقدّم ذكره. وإنما كان يكتب أهل البلد في الغزو ؛ وكان الخليفة يخرج عسكرين ، إلى ناحيتين ، فيستنزلهم ؛ وكانت طائفة ثالثة يسمّون النّظراء من الشاميين والبلديين ، كانوا يغزون كما يغزو أهل البلد من الفريقين. وقد بيّنّا نبذة من أحوال هؤلاء العرب. والاستقصاء يخرج كتابنا عن غرضه ، والإحاطة لله سبحانه.
ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين بهذه الكورة من
النصارى المعاهدين (١) على الإيجاز والاختصار
قال المؤلّف : ولمّا استقرّ بهذه الكورة الكريمة أهل الإسلام ، وأنزل الأمير أبو الخطار قبائل العرب الشاميّين بهذه الكورة ، وأقطعهم ثلث أموال المعاهدين ، استمرّ سكناهم في غمار من الروم ؛ يعالجون فلاحة الأرض ، وعمران القرى ، يرأسهم أشياخ من أهل دينهم ، أولو حنكة ودهاء ومداراة ، ومعرفة بالجباية اللازمة لرؤوسهم. وأحدهم رجل يعرف بابن القلّاس ، له شهرة وصيت ، وجاه عند الأمراء بها. وكانت لهم بخارج الحضرة ، على غلوتين (٢) ، تجاه باب إلبيرة في اعتراض الطريق إلى قولجر ، كنيسة شهيرة ، اتخذها لهم أحد الزعماء من أهل دينهم ، استركبه بعض أمرائها في جيش خشن من الروم ، فأصبحت فريدة في العمارة والحلية ؛ أمر بهذمها الأمير يوسف بن تاشفين (٣) ، لتأكّد رغبة الفقهاء ، وتوجّه فتواهم. قال ابن الصّيرفي : خرج أهل الحضرة لهدمها يوم الاثنين عقب جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وأربعمائة ، فصيّرت للوقت قاعا ، وذهبت كلّ يد بما أخذت من أنقاضها وآلاتها.
__________________
(١) النصارى المعاهدون هم المستعربون Los Mozarabes ، الذين عاشوا في غرناطة وغيرها من مدن الأندلس في ظل العرب المسلمين ، وقد أطلق عليهم العرب في بادئ الأمر اسم «عجم الأندلس». راجع : مملكة غرناطة في ظل بني زيري البربر للدكتورة مريم قاسم طويل (ص ٢٤٧ ـ ٢٥٠).
(٢) الغلوة : رمية سهم ، ويقال هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ، والجمع غلوات وغلاء. محيط المحيط (غلا).
(٣) يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين ، بالمغرب والأندلس معا ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.