أوّليّته : الشمس تخبر عن حلي وعن حلل. فهو البيت الشهير ، والجلال الخطير ، والملك الكبير ، والفلك الأثير ، ملاك المسلمين ، وحماة الدين ، وأمراء المغرب الأقصى من بني مرين ، غيوث المواهب ؛ وليوث العرين ، ومعتمد الصّريخ ، وسهام الكافرين. أبوه السلطان أبو الحسن ، الملك الكبير ، البعيد شأو الصّيت والهمّة والعزيمة ، والتحلّي بحليّ السّنّة ، والإقامة لرسوم الملك ، والاضطلاع بالهمّة ، والصبر عند الشدّة. وأخوه أمير المسلمين فذلكة الحسب ، وثير النّصبة ، وبدرة المعدن ، وبيت القصيد ، أبو عنان ، فارس ، الملك الكبير ، العالم المتبحّر ، العامل النظّار ، الجواد ، الشجاع ، القسور ، الفصيح ، مدد السعادة ، الذي خرق الله به سياج العادة ، فما عسى أن يطلب اللسان ، وأين تقع العبارة ، وما ذا يحصر الوصف. عين هذا المجد فوّاره ، وحسب هذا الحسب اشتهاره ، قولا بالحق ، وبعدا عن الإطراء ، ونشرا للواء النّصفة ، حفظ الله على الإسلام ظلّهم ، وزيّن ببدور الدين والدنيا هالتهم ، وأبقى الكلمة فيمن اختاره منهم.
حاله : كان شابّا كما تطلّع وجهه ، حسن الهيئة ، ظاهر الحياء والوقار ، قليل الكلام ، صليفة عن اللفظ ، آدم اللون (١) ، ظاهر السكون والحيريّة والحشمة ، فاضلا متخلّقا. قدّمه أبوه ، أمير الرتبة ، موفّي الألقاب ، بوطن سجلماسة ، وهي عمالة ملكهم ، فاستحقّ الرتبة في هذا الباب بمزيد هذه الرتبة المشترط لأول تأليفه. ولمّا قبضه الله إليه ، واختار له ما عنده ، أحوج ما كانت الحال إلى من ينظم الشّت ، ويجمع الكلمة ، ويصون الدّما سبحانه أحوج ما كانت الدنيا إليه ، وصيّر إلى وارثه طواعية وقسرا ومستحقّا وغلابا ، وسلما ، وذاتا وكسبا ، السلطان أخيه ، تحصل هو وأخ له اسمه محمد ، وكنيته أبو الفضل ، يأتي التعريف بحاله في مكانه إن شاء الله ، فأبقى ، وأغضى ، واجتنب الهوى ، وأجاب داعي البرّ والشفقة والتقوى ، فصرفهما إلى الأندلس ؛ باشرت إركابها البحر بمدينة سلا ثاني اليوم الذي انصرفت من بابه ، وصدرت عن بحر جوده ، وأفضت بإمامة عنايته ، مصحبا بما يعرض لسان الثّناء من صنوف كرامته ، في غرض السّفارة عن السلطان بالأندلس ، تغمّده الله برحمته ، ونزل مربلّة من بلاد الأندلس المصروفة إلى نظره ، واصلا السير إلى غرناطة.
دخوله غرناطة : قدم هو وأخوه عليها ، يوم عشرين من جمادى الأولى ، من عام اثنين وخمسين وسبعمائة. وبرز السلطان إلى لقائهما ، إبلاغا في التّجلّة ،
__________________
(١) آدم اللون : أسمر. لسان العرب (أدم).