وإنما بنيت فى الإسلام ، بناها محمد بن القاسم بن أبى عقيل ابن عم الحجاج بن يوسف ، وسميت بشيراز تشبيها بجوف الأسد ، وذلك أن عامة المير (١) بتلك النواحى تحمل إلى شيراز (٢) ، ولا تحمل منها إلى مكان ، وكانت معسكرا للمسلمين لمّا أناخوا على فتح اصطخر ، فلما فتحوا اصطخر نزل بهذا المكان فجعل معسكر فارس ، وبناها مدينة ، وهى نحو من فرسخ فى السعة ، وليس عليها سور ، وهى مشتبكة البناء كثيرة الأهل ، بها شحنة الجيش لفارس أبدا ، ودواوين فارس وعمالها وولاة الحرب فيها ؛ وأما كارزين فإنها مدينة صغيرة نحو الثلث من اصطخر ، ولها قلعة ، وليست من الكبر وقوة الأسباب بحيث يجب ذكرها ، إلا أنّا ذكرناها لأنها قصبة كورة قباذخره. ومن أجلّ المدن التى بكورة اصطخر مما يلى خراسان كثه وهى حومة يزد (٣) ، وأبرقوه ، وبناحية كرمان الرّوذان ، وهرية من شق كرمان ، ومن ناحية أصبهان كرد والسّردن ، وأما كثه وهى حومة يزد فإنها مدينة على طرف المفازة ، ولها طيب هواء البرّية وصحته وخصب المدن الجليلة ، ولها رساتيق تشتمل على خصب ورخص ، والغالب على أبنيتها آزاج الطين ، ولها مدينة محصنة بحصن ، وللحصن بابان من حديد ، يسمى أحدهما باب إيزد والآخر باب المسجد لقربه من الجامع ، وجامعها فى الربض ، ومياههم من القنى ، إلا نهرا لهم يخرج من ناحية القلعة ، من قرب قرية فيها معدن الآنك (٤) ، وهى نزهة جدا ، ولها رساتيق عريضة خصبة ، وهى ورساتيقها كثيرة الثمار تفضل لكثرتها مما يحمل إلى أصبهان وغيرها ، وجبالهم كثيرة الشجر والنبات ، الذي يحمل منها إلى الآفاق ، وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق تامة العمارة ، والغالب على أهلها الأدب والكتابة. وأما أبرقوه فإنها مدينة محصنة كثيرة الزحمة تكون نحو الثلث من اصطخر ، وهى مشتبكة البناء والغالب على بنائها وبناء يزد الآزاج ، وهى قرعاء ليس حواليها شجر ولا بساتين ، إلا فيما بعد عنها ، وهى خصبة رخيصة الأسعار. وأما الرّوذان فإنها قريبة من أبرقوه فى الشبه فيما وصفنا. وأما هراة فهى أكبر من أبرقوه ، وهي في الأبنية وسائر ما وصفنا مقاربة لأبرقوه ، إلا أن لها مياها وثمارا كثيرة تفضل عن أهلها ، فتحمل إلى النواحى. وأما كرد فإنها أكبر من أبرقوه ، وأرخص سعرا وأخصب ، وبناؤهم من طين ، وهى كثيرة القصور. والسّردن أخصب منها وأرخص سعرا ، وهى كثيرة الأشجار. والبيضاء أكبر مدينة فى كورة اصطخر ، وإنما سميت البيضاء لأن لها قلعة تبص من بعد ويرى بياضها ، وكان بها معسكر المسلمين يقصدونها فى فتح اصطخر ، فأما اسمها بالفارسية فهو نشاتك (٥) ، وهى مدينة تقارب فى الكبر اصطخر ، وبناؤهم من طين ، وهى تامة العمارة خصبة جدا ، يتسع أهل شيراز بميرتهم.
__________________
(١) الطعام.
(٢) هذه العبارة فى ا : وذلك أن عامة تلك المدن بتلك النواحى ، وهى فى ابن حوقل ص ١٩٦ : وذلك أن عامة المير بتلك النواحي
(٣) كثه هو الاسم القديم ثم صار حومة يزد ثم أطلق اسم يزد على المنطقة.
(٤) ويطلق عليه أيضا الأسرب وهو نوع من الرصاص أسود.
(٥) فى م : نشانك (بالنون) والتصحيح عن لوسترنج بلاد الخلافة الشرقية ص ٢٨٠ وربما كان خطأ مطبعيا.