أبوكم ؛ فقد أغنانا الله عنه. وأبقى ما كان يجريه عليهم. توفّي سنة (١٠٩٦ ه) عن إحدى وخمسين سنة ، وكانت إقامته بالمنصبة ثمانية عشر عاما (١).
وخلفه ولده أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين ، فقام بالمنصبة وسنّه نحو العشرين ، وأعانه عليها السّيّد شيخ بن أحمد بن الحسين. توفّي أحمد هذا سنة (١١١١ ه) ، بعد أن مكث في المنصبة خمسة عشر عاما (٢).
وخلفه عليها ولده عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم ، واتّسع جاهه بسبب اتّساع نفوذ يافع في أيّامه ، حتّى لقد كان الشّعيب المشهور بحسن ماء ورده إقطاعا له (٣).
وكان شديد الورع والتّواضع ، وساء التّفاهم بينه وبين القطب الحدّاد بسبب واش من الطّغام (٤) قال له : إنّ الحدّاد يحاول منصبا مثل منصب جدّك الشّيخ أبي بكر بن سالم ، ويزعم أنّه أفضل منه.
فلم يكن من القطب الحدّاد إلّا أن ورده للترضية إلى عينات ، وبعد الإيناس قال له : إنّي سائلك : هل خزائن الله ملأى أم لا؟ فقال : بل ملأى.
قال له : وهل ينقصه أن يعطي أحدا مثل ما أعطى الشّيخ أبا بكر؟ فقال له : لا. فقال الحدّاد : إنّ الّذي أعطى الشّيخ أبا بكر يعطينا من الهداية ، ويعطيك ويعطي غيرنا مثل ما أعطاه.
فاعتبر السّيّد أحمد وجعل يلطّخ الحدّاد بزباد (٥) من وعاء كبير حتّى نفد وهو ذاهب عن شعوره. ثمّ كان يزور الحدّاد في كلّ أسبوع أو في كلّ شهر مع كثرة أشغاله وعظم منصبه ، ويستغرق سحابة اليوم في قراءة الكتب النّافعة عليه ، وفي أوّل قدمة قدمها
__________________
(١) أخبار الحبيب علي بن سالم في «بستان العجائب» (١٤ ـ ١٨).
(٢) «بستان العجائب» (١٨ ـ ٢٠) ، ويلقب الحبيب أحمد هذا بالمدفع ؛ لكثرة كراماته وصلاحه.
(٣) وكان جاهه واصلا إلى بلاد القبلة والظاهر وبيحان ، وردمان إلى قرب رداع.
(٤) الطّغام : أوغاد النّاس ، وذكر مؤلف «البستان» أنه من أحد الأخدام.
(٥) الزباد : طيب كالمسك ، غالي الثمن ، يستخرج من أوعية في بدن بعض السنانير المعروفة بهر الزباد ، ويكثر في بلاد الحبشة والصومال وشرق أفريقيا.