ومن بعد العيدروس الأكبر (١) انتشرت المعارف وينعت العلوم ، ولكن بدأت المجاهدات تنقص ، والخلل يدخل على طريق العلويّين ، ولهذا كان القطب الحدّاد يأخذ بكلّ عادة كانت من أيّام العيدروس فمن قبله بدون أن يبحث عن الدّليل ؛ لتلزّمهم بالسّنّة المطهّرة تلزّما شديدا ، وأمّا من بعده .. فلا يقبل شيئا إلّا بدليله الواضح ، ونقل غير واحد عن أبي حنيفة أنّه كان يقول : ما جاءنا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فعلى الرّأس والعين ، وما جاءنا عن الصّحابة رضي الله عنهم .. نختار أحسنه ولم نخرج عن أقوالهم ، وما جاءنا عن التّابعين .. فهم رجال ونحن رجال. وفي رواية : زاحمناهم. ومع ذلك فلم يزل فيهم أراكين علوم ، ومصابيح هدى أمثال النّجوم.
وجوه لو انّ الأرض فيها كواكب |
|
توقّد للسّاري .. لكانوا كواكبا (٢) |
وإنّ زمانا يظهر فيه أمثال القطب الحدّاد وعبد الله بن أحمد بلفقيه (٣) وابنه عبد الرّحمن (٤) وأقرانهم .. لغير ملوم.
لقد حلّوا من الشّرف المعلّى |
|
ومن حسب العشيرة حيث شاؤوا (٥) |
__________________
اسمه ، وجرى كلام حول صحة ومصداقية هذه الرحلة ، لكن الشيخ محمد بن عوض بافضل أوردها بتمامها في نهاية «صلة الأهل» ، وعضّدها بكونها قرئت على مولانا الحبيب أحمد بن حسن العطاس فأيدها ، ينظر «الصلة» (٣٢٦ ـ ٣٤٢).
(١) هو الإمام عبد الله بن أبي بكر السكران ، تقدم ذكره في عدة مواضع ، توفي سنة (٨٦٥ ه) ، وتنظر أعماله وأحواله ومجاهداته في «المشرع الروي» ، «الغرر» ، «فتح الرحيم الرحمن» في مناقبه لتلميذه السيد عمر بن عبد الرحمن صاحب الحمراء ، ومؤلفات آل العيدروس المتقدم ذكرها في سير أهلهم وآبائهم رضي الله عنهم.
(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ١٢٦).
(٣) العلامة الجليل الشأن ، رفيع المقدار ، مولده بتريم سنة (١٠٤٤ ه) ، وبها وفاته سنة (١١١٢ ه) أو (١١١٠ ه) ، كان من أقران الإمام الحداد ، وقرأ هو وإياه «المختصر الكبير» على السيد عبد الرحمن بن عبد الله باهارون.
(٤) الإمام وجيه الدين ، المعروف عند أهل تريم بعلّامة الدنيا ، ولد بتريم سنة (١١٠١ ه) ، وتوفي بها سنة (١١٦٣ ه). ونبغ في العلوم وقرأ بالعشر جمعا وإفرادا ، وسمع وأجيز وحدث وأجاز ، وصنف الكتب المفيدة النافعة.
(٥) البيتان من الوافر ، وهما لدعبل الخزاعي.