أمّا سيّدي
عليّ بن أبي بكر .. فإنّه لم يذكر في «البرقة» إلّا أخذ الشّيخ سعيد الظّفاريّ
وابن أخيه الشّيخ عليّ بن عبد الله بن عليّ ، وهذا هو القريب ؛ لقوّة المناصرة ،
وكثرة المعاصرة ، وقرب المجاورة ، وليراجع جميع ذلك فإنّي لم أطل فيه التّحديق ،
ولم أمرّ على «البرقة» بأسرها .. فلا مؤاخذة إن وجد غير ما ذكرته في موضع منها لم
أستحضره ، ومع ما استقربناه من أخذ الشّيخ سالم بافضل عن صاحب مرباط يبعده أنّه
عاصر القطب الجيلانيّ وجاوره في طلبه بالعراق ، ولم يذكر المؤرّخون له أخذا عنه ،
ولو كان .. لتلقّى عنه تلاميذه بأخذه عنه ، وانتشرت بينهم طريقه ، ولكنّه لم يكن
شيء من ذلك ، وإلّا .. لتواتر ، ومن المعلوم أنّ الخبر الّذي تتوفّر الدّواعي على
تواتره كهذا لا يثبت برواية الآحاد وإن كانوا عدولا ، فكيف ولم يروه أحد قطّ؟
مع أنّ القطب
الجيلانيّ أشهر وأذكر من أبي مدين ، وقد اشتهر أخذ الفقيه المقدّم عنه اشتهار
الشّمس الضّاحية ، مع أنّه لم يكن إلّا بالواسطة ، وقد أمكن الشّيخ سالم أن يأخذ
عن الجيلانيّ بدونها ، وكلّ ما تحيّل كتمانه .. لا يقبل برواية الآحاد.
قال الغزاليّ :
فإن قيل قد تفرّد الآحاد بنقل ما تتوفّر الدّواعي عليه ، حتّى وقع الخلاف فيه ،
وذكر عدّة أمور ؛ أقواها في الإشكال : انشقاق القمر ، فلم ينقله إلّا ابن مسعود
وعدد يسير معه ، وكان ينبغي أن يراه كلّ مؤمن وكافر وباد وحاضر ، وقد أجاب بأنّه
آية ليليّة ، وإنّما وقع لحظة والنّاس نائمون ، فلم يره إلّا من ناصر النّبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم من قريش ونبّهه على النّظر له.
وكم من زلزلة
وانقضاض كوكب وأمور هائلة من ريح وصواعق باللّيل لا ينتبه لها إلّا الآحاد ، على أنّ
مثل هذا لا يعلمه إلّا من قيل له : انظر إليه.
وقد انشقّ
القمر عقيب التّحدّي ، ثمّ التأم من ساعته. اه بمعناه وأكثر لفظه.
فلا شكّ في أنّ
عدم أخذ الشّيخ سالم عن القطب الجيلانيّ خبيئا يتفسّر بما في «الأصل».