وكان يكتفي بوجبة ويتصدّق بالأخرى ، حتّى علم به أبوه لمّا كان يذهب بها من مخترفهم إلى من كانوا يعتادونه منه بالبلد ، فنهاه.
ومنذ عرفته وهو يقوم من النّوم قبل انتصاف اللّيل فيخفّ إلى الطّهارة ، ثمّ يصلّي سنّتها ، ثمّ الوتر إحدى عشرة بحسن قراءة وطول قيام ، ثمّ يقرأ حصّة من القرآن بصوت شجيّ ، ثمّ يأخذ في الأوراد والمناجاة ، وكثيرا ما يقول في آخر دعائه :
اللهمّ ؛ ارحمنا إذا عرق منّا الجبين ، وانقطع منّا الأنين ، وأيس منّا الطّبيب ، وبكى علينا الحبيب.
اللهمّ ؛ ارحمنا يوم نركب على العود ، ونساق إلى اللّحود.
اللهمّ ؛ ارحمنا إذا نسي اسمنا ، واندرس رسمنا ، وفنينا وانطوى ذكرنا ، فلم يزرنا زائر ، ولم يذكرنا ذاكر.
اللهمّ ؛ ارحمنا يوم تبلى السّرائر ، وتكشف الضّمائر ، وتوضع الموازين ، وتنشر الدّواوين.
ومتى جاء فصل الصّيف والخريف .. كان تهجّده على سطح مصلّاه أو في بطن مسيله ، فكأنّما تؤوّب معه الجبال (١) ، وتكاد تنقدّ لخشوعه الصّدور وتتفطر المرائر (٢) ، ثمّ يصلّي الصّبح ونافلته ، ويأخذ في أذكار الصّباح ، حتّى إذا أسفر الأفق .. نبّهني وأعاد معي الصّلاة وجلس يقرئني إلى أن ترتفع الشّمس قدر رمح ، فيصلّي سبحة الضّحى ثمانيا ، وتارة يختصّ الإشراق بركعتين ؛ إذ المسألة خلافيّة ، فالّذي في «الإحياء» [١ / ٣٣٧] أنّ صلاة الإشراق غير صلاة الضّحى ، وجرى عليه في «العباب» [١ / ٢٦٣] و «التّحفة» [٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨].
__________________
(١٢٦١ ه) ، وتوفي سنة (١٣٢٤ ه). «التلخيص الشافي» (١٣٢ ـ ١٣٧) ، «تاريخ الشعراء» (٤ / ١٧٠ ـ ١٧٦).
(١) تؤوّب معه : تردّد معه بالتّسبيح ، وهو من قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)
(٢) جمع مرارة ، كناية عن شدة الهلع.