ومن متأخّريهم : الصّالح الكبير ، صاحب الفراسة الصّادقة ، الشّيخ أحمد بن طه باحميد ، كان ضريرا ، ولكنّه يخيط ويدخل الخيط في الإبرة عن مشاهدة بعيني! وكان والدي يحبّه كثيرا ، وكان كثير الدّعاء لي والاعتناء بي ، توفّي بمدوده بعد الثّلاثين والثّلاث مئة وألف.
ومنهم : الشّيخ سالم بن أحمد باحميد ، له مؤلّفات كثيرة ، وكان عابدا متبتّلا ، حصورا تقيّا ورعا ، توفّي بمدوده سنة (١٣٤٥ ه) (١) ، وكان مولعا بمحبّة الفاضل السّيّد حسين بن عبد الله عيديد ، كثير الثّناء عليه ، حتّى لقد أوصى بأن يقبر إلى قريب من داره ومسجده اللّذين ابتناهما بمدوده ، فاختار جواره على مجاورة الشّيخ عبد الله بن ياسين.
وكان السّيّد حسين بن عبد الله عيديد (٢) هذا انتقل من سيئون بعد وفاة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، والنّاس يتعالمون بأنّه ورث حاله ، ولم تطب له سيئون فبارحها وسكن مدوده وابتنى بها دارا ومسجدا ـ حسبما قدّمنا ـ ولم يزل موئل الضّيفان والوافدين ، وأمره غريب ، وحاله عجيب ، ونفقاته طائلة ، وله كلام من جنس ما يتكلّم به مورّثه في الحال : العلّامة السّيّد عليّ الحبشيّ ، إلّا أنّ شعره أحطّ من شعر ذلك ؛ لأنّ بضاعته في علم العربيّة مزجاة ، (٣) بخلاف السّيّد عليّ ، وله رحلات إلى عدن وإلى الحجاز ، وله وجاهة ، ولا سيّما لدى أهل دوعن وبعض حضارمة عدن والحبشة وغيرهم ، وإنّهم لمشكورون على معرفتهم بقدره وقيامهم بحقّه ، وإعانتهم له على المروءة والضّيافة.
ولمّا كثرت الفتن بمدوده ، ولا سيّما بين آل منيباري وآل جعفر بن بدر ، بسبب أنّ
__________________
(١) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «ثبته» ، ووفاته في (٢٨) جمادى الآخرة من العام المذكور.
(٢) ولد بمدودة ، وأخواله من آل باحميد ، تربى عندهم يتيما ، ثم لما كبر .. أتت به والدته إلى الحبيب علي الحبشي ، ومكث عنده في بيته طويلا .. وقد كان مشهورا ببناء المساجد ، رمم وبنى الكثير منها ، توفي بمدودة سنة (١٣٨٨ ه) ، وابنه السيد علي مقيم بمكة المكرمة.
(٣) مزجاة : قليلة.