إلّا أنّهم كانوا يضمرون من التّعليم غير ما يظهرون ، وحاولوا تربية الأولاد على الطّريقة الحربيّة ؛ ليعدّوهم لغزو الحجاز ، واستمالوا رؤساء يافع ، وكان لهم إذ ذاك أكبر النّفوذ في المكلّا ، وربّما تركوا صندوق الذّهب مفتوحا ليروه عندما يزورونهم ، وبالآخرة طالبوهم بعسكر على أن يدفعوا لهم مرتّبات ضخمة ، فالتزموا لهم بخمسة وأربعين ألف مقاتل من يافع ، ولكنّ آل الدّبّاغ تأخّروا بعد ذلك لمؤثّر إمّا من الحجاز ، وإمّا من العراق ، وحاولوا إثارة حفيظة ملك العراق (١) لغزو المكلّا وحضرموت.
وفيما كانت فرقة الكشّافة مارّة بسوق المكلّا ، ترفرف عليها الأعلام العراقيّة .. تكدّر لذلك الشّيخ الأديب عبد الله أحمد النّاخبيّ (٢) ، وكان شريكهم في التّعليم ، ولكنّه لم يصبر على هذا التّطرّف ، فنبّه الوزير (٣) ، ولكنّه (٤) خاف من يافع ـ وكان
__________________
(١) هو الملك فيصل بن الشّريف الحسين بن عليّ الحسنيّ الهاشميّ (١٣٠٠ ـ ١٣٥٢ ه) أبو الملك غازي ولد بالطّائف ، وتوفّي فجأة بسكتة قلبيّة في العاصمة السّويسريّة برن ، ونقل جثمانه إلى بغداد ودفن بها ، وهو من أشهر السّاسة العرب في العصر الحديث ، نودي به ملكا على البلاد السّوريّة سنة (١٣٣٨ ه) ، ثمّ نودي به على عرش العراق في السّنة الّتي تليها (١٣٣٩ ه) ، ينظر : «الأعلام» (٥ / ١٦٥ ـ ١٦٦) ، «ما رأيت وما سمعت» (١٧٩).
(٢) هو الشيخ العلامة الفقيه الأديب المؤرخ ، عبد الله بن أحمد بن محسن بن ناجي الناجي اليافعي ، مولده بجبل يافع في بلدة تسمّى : حمحمة ـ بضمّ الحائين المهملتين ـ المشرفة على وادي ذي ناخب ، ولد عام (١٣١٧ ه) ، وهو يحفظ أنّ تاريخ مولده أيّام موقعة حوته التاريخية أي ما بين أجواء (١٣١٤ ه) و (١٣١٧ ه) وكان والده ضمن الجنود الذين شاركوا فيها من جانب القعيطي ، ثم أخذه والده إلى تبالة ، فدرس بها على يد الشيخ سالم الكلالي ، وهو شيخ فتحه وتخريجه ، ثم دخل المكلا في عهد السلطان عمر ، وشارك في النهوض بالتعليم بها ، وعدّ في أعيانها ، وله مواقف وأخبار كثيرة ، وتقلد عددا من المناصب الحكومية في عهد السلطان صالح ، وأضفى عليه المذكور لقب : (شاعر الدولة) ، وهو الآن مقيم بجدة ، أطال الله عمره في خير وعافية.
(٣) كان ذلك في عهد السّيّد أبي بكر بن حسين بن حامد المحضار ، ويقول الشّيخ النّاخبيّ : إنّ آل الدّبّاغ استمرّوا في التّدريس على منوالهم حتّى نهاية عهد السّلطان عمر ، وكان ابن أخيه السّلطان صالح في الهند ، فبلغته أنباء عن توجّه آل الدّبّاغ السياسيّ ، فكتب رسالة من الهند إلى عمّه السّلطان عمر بالمكلّا أبلغه فيها بما نمي إليه من أخبارهم.
(٤) أي : الوزير المذكور ؛ الّذي استمرّ في الوزارة إلى حدود سنة (١٣٤٩ ه).