هذا حاصل ما أخبرني به الولد علويّ فتذكّرته.
وبعد هذا كلّه ذكرت أنّ سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر في زيارته السّابق ذكرها أقام بتريم قبل أن ينشىء السّفر إلى الشّعب أكثر من أربعة أيّام صحيحة وهو يقصر ويجمع كما تقدّم ، وكفى به حجّة ، ولو أنّني ذكرت ذلك لعمر عبيد ومحفوظ آل حسّان .. لأذعنا لما ذهبت إليه ، ولكنّني نسيت ، وما أنساني إلّا الشّيطان.
أمّا الحديث الصّحيح : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» .. فقد اختلف فيه ، والأكثرون على أنّه عامّ مخصوص بالمساجد ، فلا تشدّ الرّحال إلى شيء منها لتقاربها في الفضيلة .. ما عدا الثّلاثة ؛ لتميّزها بزيادتها فيه ؛ إذ لا يحرم بالاتّفاق شدّها للتّجارة وطلب العلم وزيارة الأحباب والصّالحين من الأحياء وما أشبه ذلك ، ولكن قد نصّ إمام الحرمين ـ ومثله القاضي حسين ـ على تحريم السّفر لزيارة القبور ، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياض في «إكماله» ، وهو من أفضل متأخّري المالكيّة ، وقام وقعد في ذلك الشّيخ الإمام ابن تيميّة ، وخطّأه قوم ، وصوّبه آخرون ، ومهما يكن من الأمر .. فليسعه ما وسع الجوينيّ والقاضيين حسينا وعياضا ، ولكنّهم أفردوه باللّوم ، والقول واحد.
وقال مالك بن أنس : من نذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلّي فيه .. كرهت ذلك ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد».
وقال ابن كجّ ـ من كبار أصحاب الشّافعيّ ـ : إنّ الزّيارة قربة تلزم بالنّذر.
والخطب يسير لم يوسّعه إلّا الحسد والتّعصّب ، وإلّا .. فالتّثريب في موضع الاختلاف ممنوع.
وأيّام الشّعب ـ بما فيها من الصّفاء والأنس والأفراح والمزاورات ـ أشبه بأيّام منى (١)
__________________
(١) وذلك من عدة وجوه ؛ منها : أن الإقامة بها لا تتجاوز الأربعة الأيام. والروحانية العظيمة التي تغمر الحضور. وأن غرض القادمين إليها هو التعبد والخلوة في ذلك الشعب. ووجود الأسواق بها كما في منى. وكونها في واد لا يقصده أحد إلا في أثناء ذلك الموسم وخلوّه باقي أيام السنة.