ائذن له في آخر الناس ، فإذا دخل عليك فسلّم فلا ترد عليه ، ولا تأمره بالجلوس ، فإذا رأى أهل الشام هذا سقط من أعينهم ، ففعل فأذن للناس إذنا عاما وحجب زيدا وأذن له في آخر الناس فدخل فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فلم يردّ عليه ، فقال : السلام عليك يا أحول (١) إذ لم تر نفسك أهلا لهذا الاسم. فقال له هشام : أنت الطامع في الخلافة وأمك أمة ، فقال : إن لكلامك جوابا ، فإن شئت أجبت ، قال : وما جوابك؟ قال : لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله إسماعيل نبيا وأمه هاجر ، فالخلافة أعظم أم النبوة ، فأفحم هشام ، لما خرج قال لجلسائه : أنتم القائلون إن رجالات بني هاشم هلكت ، والله ما هلك قوم هذا منهم ، فردّه ، وقال : يا زيد ما كانت أمك تصنع بالزوج ولها ابن مثلك ، قال : أرادت آخر مثلي ، قال : ارفع إليّ حوائجك ، فقال : أما وأنت الناظر في أمور المسلمين فلا حاجة لي ، ثم قام فخرج فأتبعه رسولا وقال : اسمع ما يقول ، فتبعه فسمعه يقول : من أحب الحياة ذل ، ثم أنشأ يقول :
مهلا بني عمّنا عن نحت أثلتنا |
|
سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا |
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم |
|
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا |
الله يعلم أنا لا نحبّكم |
|
ولا نلومكم ألّا تحبّونا |
كل امرئ مولع في بغض صاحبه |
|
نحمد الله نقلوكم وتقلونا |
ثم حلف أن لا يلقى هشاما ولا يسأله صفراء ولا بيضاء ، فخرج في أربعة آلاف بالكوفة ، فاحتال عليه بعض من كان يهوى هشاما فدخلوا عليه ، وقالوا : ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال : رحم الله أبا بكر وعمر صاحبي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أين كنتم قبل اليوم؟ قالوا : ما نخرج معك أو تتبرأ منهما ، فقال : لا أفعل هما إماما عدل ، فتفرقوا عنه وبعث هشام إليه فقتلوه ، فقال الموكل بخشبته : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم وقد وقف على الخشبة ، وقال : هكذا تصنعون بولدي من بعدي ، يا بني ، يا زيد قتلوك قتلهم الله ، صلبوك (٢) صلبهم الله ، فخرج هذا في الناس ، وكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنهم ، فكتب إليه : أحرقه بالنار ، فأحرقه رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد ـ قراءة ـ عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم ، عن
__________________
(١) بالأصل : أحوال والصواب عن م.
(٢) في بغية الطلب : سلبوك سلبهم الله.