فينتقل إلى أسفل ذلك النهر فأولئك أكلة الربا ، يعذّبون حتى يصيروا إلى النار.
وأما البيت الذي رأيت أسفله أضيق من أعلاه ، فيه قوم عراة تتوقد من تحتهم النار أمسكت على أنفك من نتن ما تجد من ريحهم فأولئك الزناة ، وذلك نتن فروجهم ، يعذبون حتى يصيروا إلى النار.
وأما التل الأسود الذي رأيت عليه قوما مخبلين تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم ، فأولئك يعملون عمل قوم لوط الفاعل والمفعول به ، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار.
وأما النار المطبقة التي رأيت ملكا موكلا بها كلما خرج منها شيء اتبعه حتى يعيده فيها ، فتلك جهنم تفرق من بين أهل الجنة وأهل النار.
وأما الروضة التي رأيتها فتلك جنة المأوى.
وأما الشيخ الذي رأيت أول ومن حوله من الولدان فهو إبراهيم وهم بنوه.
وأما الشجرة التي رأيت فطلعت إليها فيها منازل لا منازل أحسن منها من زمرّدة جوفاء ، وزبرجدة خضراء ، وياقوتة حمراء ، فتلك منازل أهل علّيين من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.
وأما النهر فهو نهرك الذي أعطاك الله «الكوثر» وهذه منازلك وأهل بيتك.
قال : فنوديت من فوقي : يا محمد يا محمد ، سل تعطه فارتعدت فرائصي ورجف فؤادي واضطرب كل عضو مني ولم أستطع أن أجيب شيئا ، فأخذ أحد الملكين يده اليمنى فوضعوا في يدي وأخذ الآخر يده اليمنى فوضعها بين كتفي فسكن ذلك مني ، ثم نوديت من فوقي : يا محمد سل تعطه ، قال : قلت : اللهم إني أسألك أن تثبت شفاعتي ، وأن تلحق بي أهل بيتي ، وأن ألقاك ولا ذنب لي ، قال : ثم ولّى بي ، ونزلت عليه هذه الآية : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) إلى قوله (مُسْتَقِيماً)(١) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فلمّا أعطيت هذه كذلك أعطانيها (٢) إن شاء الله عزوجل» [٤٥٤٨].
__________________
(١) سورة الفتح ، الآيتان : ١ و ٢.
(٢) في مختصر ابن منظور : فكما أعطيت هذه كذلك أعطاها إن شاء الله عزوجل.