الكفر برسالات الله ، والإسراف والارتياب والتكبّر والتجبّر ، وبالتالي التملّص من مسئوليات النظام العادل والحاكم العادل ـ كيوسف عليه السلام ـ قد لا تظهر عاقبته في البداية ولكنّها عند الختام ، حيث يكون مصير المجتمع ما انتهى إليه أهل مصر ، إذ ابتلوا بحاكم مثل فرعون. وهكذا علينا ألّا تخدعنا المظاهر الخلّابة لحضارة الشهوات بل ندرسها من خلال نهاياتها المأساوية ، وما قيمة بداية الغرور مع عاقبة السوء.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ)
بعد أن فشل فرعون في إقناع من حوله بضرورة قتل موسى (ع) ، ممّا أثبت ضعف حجته ، حاول الاعتماد على القوة المادية لفرض سيطرته على الجماهير ، وهذه مرحلة من المراحل التي تمرّ بها الحضارات ، فهي تبدأ بالقيم قوية حيوية ، وتبلغ المظاهر المادية قبل أن تصل نهايتها إمّا بالدمار الشامل أو حالة العبثية المطلقة والانطواء التام. وهكذا نظام فرعون حينما تبيّن لهم خواؤه المعنوي وفراغه العلمي ، توجّه الى البنايات الضخمة ، حيث بنى صرحا عظيما حاول الوصول به الى إله موسى ، وهذا مؤشّر واضح على نظرته الشيئية للحياة ، وسعيه لتحدّي القيم المعنوية بالمظاهر المادية.
إنّه سعى نحو مواجهة إله موسى عزّ وجل ، وتحدّيه سبحانه بما لديه من إمكانات محدودة ، كما فعل نمرود حين أمر بإعدام سجين وإطلاق الآخر ، وقال لإبراهيم متحدّيا ربّ العزّة : أنا أحيي وأميت ، وهكذا يفعل الطغاة في كلّ عصر. إنّهم يقومون ـ أمام كلّ حركة تحررية ـ باستعراض قوّتهم لفرض الهيبة التي تكاد تسقط أمام عاصفة الثورة.
وقد يكون فرعون هو الذي بنى بعض أهرامات مصر حسبما توحي به هذه الاية