كان عليه آباؤهم ، فزعموا أنّ هناك سواتر وأغطية عديدة تلفّ أفئدتهم عن الدعوة الجديدة ، بلى. الغفلة والجهل والكبر والعناد كلّها أكنّة على قلوبهم ، فكيف تخترقها الرسالة؟!
ثمّ قالوا : وحتى ولو كانت قلوبنا سليمة فإنّ آذاننا لا تسمع لما فيها من ثقل ، وأبصارنا لا ترى وجوارحنا لا تحس لأنّ المسافة التي بيننا وبينك قد سدّت بالحجاب.
(وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ)
فمن أعرض قلبه ثقل سمعه عن استقبال الدعوة ، كما علت عينه غشاوة.
ثم كشفوا عن غاية تعصّبهم وشدة جمودهم إذ قالوا :
(فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)
فلم يطيقوا الحوار فقطعوه ، وقالوا : اعمل أنت بما ترى ، ونعمل بما نعتقد ، والمستقبل يحكم بيننا وبينك ، وإذا كنت تخطّط للمواجهة فنحن مستعدون!!
هكذا أعرضوا عن الذكر ، فهل يلام على ضلالتهم غيرهم؟
[٦] في مواجهة الدعوات الصادقة يلتجئ المتعصّبون الى مكر شيطاني ، وذلك بأن يخلطوا بين الدعوة وبين صاحبها فيتهموه بحبّ السلطان أو الجاه وما أشبه ، ومن هنا كان من أقوى الحجج التي اعتمدها الرسل ـ عليهم السلام ـ التجرّد للرسالة عن شخصيّاتهم ، وأنّهم لا يطالبون الناس بأجر (اللهمّ إلّا ما يكون لهم) وأنّهم لا يبحثون عن جاه أو سلطة أو ثروة ، وأنّهم لا يدّعون التميّز عليهم إلّا بالوحي.