لهذا العامل ـ الذي جاءت بسببه هاتان النعمتان ـ هو الذي جعلهم يبطرون بالنعمة ، ويكفرون بالرسالة ، بدل أن يشكروا الله عبر الإيمان برسالته ، وطاعة القيادة التي فرضها.
ولعل الآية تشير إلى أهمية التشريعات الرشيدة في بناء الحضارات ، وان القيم الالهية هي السبب في بركتي الأمن والرخاء للناس.
[٥٨] ٢ / قد تضحى النعمة نقمة على أصحابها ، وذلك إذا صارت هدفا بذاتها ، بينما ينبغي للإنسان ان يشكر ربه عليها ، وانّ شكر أهل مكة لله على نعمتي الأمن والرخاء يتمثل في الايمان برسوله ، وهذا هو السبيل الأوحد للحفاظ على النعم ومنع تحويلها الى نقمة ، وهكذا يبقى الضمان الوحيد لاستمرار الحضارات اتباع رسالات الله ورسله ، ومن أبرز فوائد الرسالات كبح جماح الإنسان من الاسترسال مع النعم الى حد البطر والطغيان والغرور ، حتى ينسى الحدود ، ويتجاهل الحقوق ، ويندفع في اتباع اللذات الى أبعد مدى.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها)
والله لا يدمر القرى لمجرد أنّها مرفهة ، وكيف يكون ذلك وقد خلق البشر ليرحمهم؟ كلا .. إنه هو الذي وفر النعم للناس ، ويخطئ أولئك الذين يصوّرون الدّين بأنه يعارض النعم بذاتها ، مفسرين الآيات والروايات التي تتناول موضوع الزهد : بان الدين لا يجتمع مع الدنيا ، أو السياسة. كلا .. إنما دمّرها لأنها بطرت بالنعم ، وأصابها الغرور ، ولم تصل بالنعم الى اهدافها.
(فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ)