تعليلا بالمشقّة الّتي بها علّل القصر في الأخبار ودلّ عليه ظاهر الاعتبار ، فلا يكون تعليلا بما لا حقيقة له ولا تعليلا بما لا يرفع الاستبعاد ، وإنّما يلزم ذلك لو علّل القصر في البريد بنفس شغل اليوم كما مرّ تقريره. أمّا إذا أُريد اللازم فلا ، إذ حاصل التعليل حينئذ وجوب القصر في البريد ، لأنّ الغالب فيه الرجوع ، والغالب مع الرجوع حصول المشقّة الّتي هي علّة القصر ، فعلّة القصر فيه هي العلّة المتقرّرة في غيره ، وهي علّة تقريبية يجوز تخلّف المعلول عنها ، ولا يمنع ذلك من صحّة التعليل بها.
ولعلّ هذا مراد من حمل التعليل هنا على التقريب وإن لم يكشف عن حقيقة المراد فيندفع عنه ما تقدّم من الإيراد ، فإنّ التعليل بهذا التقريب صحيح لا غبار عليه ، وبه يرتفع استبعاد السائل ، وتظهر النكتة في استعمال «إذا» وصيغة الماضي وعطف الرجوع على الذهاب المتحقّق ، فإنّ الرجوع أمرٌ متوقّع غالب الحصول للمسافر خصوصاً في سير البريد ونحوه.
وقد صرّح بعض المحقّقين (١) بأنّ المراد بالجزم في «إذا» ما يعمّ الظنّ فيهون الخطب فيها ، مضافاً إلى ما هو معلوم من كثرة استعمال كلّ من أدوات الشرط في معنى غيره بحيث لم يبق معه الوثوق بتعيين ما قالوه.
وأنت خبير بأنّ ذلك كلّه لا يدفع ظهور الحديث فيما قلناه ، فإنّ ظاهره التعليل بنفس شغل اليوم لا بما يتفق معه من المشقّة ، والكناية على خلاف الأصل ، وكذا حمل العلّة على التقريب ، فإنّ الأصل فيها كما عرفت أن تكون مناطاً للحكم ، وظاهر الأدوات وماضوية الفعل والعطف على المتحقّق هو تحقّق الرجوع ولا يستقيم إدارته في المعنى الكنائي لحصول التحقّق الظاهر وظاهر الأكثر وصريح جملة لحوق الظنّ بالشكّ فيستعمل فيه «إن» دون «إذا» ويدلّ عليه أنّ «إن» أكثر أدوات الشرط دوراناً في الكلام ، فلو خصّت بالشكّ بمعنى تساوي الطرفين من دون ترجيح أصلا لكان تخصيص للكثير السائر بالقليل النادر.
__________________
(١) منهم السيّد مير شريف في حاشيته على المطوّل : ص ١٥٤.