اليوم بشغله ليومين إذا ، رجع ونحو ذلك من الأُمور الباطلة الّتي لا حقيقة لها أصلا. ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن تكون العلّة تحقيقية أو تقريبية ، فإنّ التقريب إنّما يكون بالأمر المتقرّر الثابت كالتحقيق.
ومنه يعلم أنّ ما في «المدارك (١) والذخيرة (٢)» وغيرهما (٣) ـ من أنّ التعليل في الحديث إنّما وقع على سبيل التقريب على الإفهام كما يشعر به إطلاق البريد في أوّل الكلام ـ ليس بجيد ، لأنّ الشئ الّذي لا حقيقة له يمتنع التعليل به ، سواء قصد به التحقيق أو التقريب ، والعلل التقريبية كالتحقيقية في وجوب تحقّق العلّة في الجملة ، وإنّما تفاوتها في جواز التخلّف كما في تعليل غسل الجمعة بالنظافة والقصر في السفر بالمشقّة ونحو ذلك ، والأصل في العلل أن تكون مناطاً للحكم وجوداً وعدماً ، ومن ثمّ كان منصوص العلّة حجّة ، فلا يصار إلى التقريب إلاّ لضرورة ولا ضرورة هنا ، إذ لا مانع من إناطة القصر بشغل اليوم كما قال به معظم الأصحاب (٤).
ويمكن أن يقال : إنّ صدر الحديث قويّ الدلالة على الاكتفاء بالبريد ، فإنّه قد دلّ بالإطلاق الواضح على أنّ البريد هو مسافة القصر رجع أو لم يرجع ، ولو لم يستبعد السائل ذلك لقطع الإمام (عليه السلام) الكلام على ذلك ، فكان كسائر الروايات الواردة في تحديد المسافة بالبريد ، لكن لمّا جاء الاستبعاد منه تصدّى (عليه السلام) لرفعه بما ذكر من التعليل ، وهو غير مناف لإرادة الإطلاق من الكلام الأوّل ، لاحتمال أن يكون شغل اليوم فيه كناية عن المشقّة الحاصلة معه في الغالب ، فيصير التعليل به
__________________
(١) مدارك الأحكام : في السفر ج ٤ ص ٤٣٧.
(٢) ذخيرة المعاد : في السفر ص ٤٠٦ س ١٩.
(٣) كالبهبهاني في المصابيح : في صلاة السفر ج ١ ص ١٥١ س ١٨ (مخطوط في مكتبة
الگلپايگاني).
(٤) منهم الشيخ في المبسوط : في السفر ج ١ ص ١٤١ ، والمحقّق في المعتبر : في السفر ج ٢ ص ٤٦٧ ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء : في السفر ج ٤ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.