وبالجملة : فالدلالة على تحقّق الرجوع حاصلة من جهات متعددة متأكّدة ، ومجرّد إطلاق البريد لا يقوّي على معارضتها فضلا عن أن ترجّح عليها ، وليس هذا الإطلاق على ما ظنّ به من القوّة فإنّ الرجوع هو الكثير الغالب ، فيحسن ترك التقييد به اعتماداً على الظهور ، ولعلّ سكوته (عليه السلام) على البريد أوّلا لذلك لا لإرادة العموم فلا ينافي التعليل الظاهر في الخصوص ، هذا مع قطع النظر عن الأدلّة الكثيرة الدالّة على اشتراط الرجوع ، وأمّا معها فلا ينبغي الشكّ في تقييد هذا الإطلاق ، وإذا ثبت اشتراط الرجوع في البريد وتحقّقه كان المتحقّق هو الرجوع لليوم ، لما عرفت من تقييد الرجوع الواقع شرطاً بمقتضى الجزاء الظاهر في شغل اليوم بالفعل ، ومعلوم أنّ تحقّق المقيّد يستلزم تحقّق القيد ، والمعترض قد سلّم هنا تقييد الرجوع بالواقع في اليوم ، وإنّما منع دلالة الحديث على تحقّق الرجوع لصدق الشرطية بدونه ، فبعد ثبوت تحقّقه لا مجال له في خصوص القيد.
وجملة القول في الحديث : أنّه يحتمل وجوهاً ثلاثة مختلفة في القوّة والضعف :
أحدها : الاكتفاء بالبريد أخذاً بإطلاقه في صدر الكلام وحملا للتعليل على التقريب إلى الأفهام بجعل شغل اليوم كناية عن المشقّة الّتي هي علّة تقريبية للقصر ، وهذا أضعف الوجوه.
وثانيها : اشتراط الرجوع مطلقاً وإن لم يكن ليومه تقييداً لإطلاق البريد بالتعليل الظاهر في اشتراط الرجوع وحملا لشغل اليوم فيه على مطلق الشغل دون الشغل بالفعل لما تقدّم من الوجوه ومنها بقاء المفهوم على العموم ، وهو أقرب من سابقه.
وثالثها : اشتراط الرجوع لليوم تقييداً لإطلاق البريد بظاهر التعليل ولإطلاق الرجوع فيه بما دلّ منه على شغل اليوم بالفعل مع تقييد إطلاق المفهوم بالسير الملفّق ، فهذا الوجه يتقوّم بالتقييد من ثلاثة وجوه ، وهو أقرب الوجوه الثلاثة وأنسبها بقواعدهم في حمل المطلق على المقيّد وترجيح التقييد على المجاز ونحوه عند التعارض ، مع ما في تلك الإطلاقات من الضعف كما نبّهنا عليه. وقد ظهر لك