للجزم بعدمه و «إن» للشكّ بينهما ، ويشهد لذلك سبق المعاني المذكورة عند الإطلاق وكثرة استعمالها كذلك خصوصاً في كلام البلغاء وقولهم «إذا» للجزم بالوقوع يريدون به أنّها لفرض الأمر الواقع لا أنّ معناها هو الجزم بالوقوع فإنّها موضوعة للشرط وهو بمعنى الفرض والتقدير المنافيين للقطع والجزم ، وكذا قولهم «لو» للجزم بعدم الوقوع فإنّ المراد أنّها لفرض الأمر المجزوم بعدمه ، فالشرط في الجميع بمعنى واحد هو الفرض ، والاختلاف في المشروط والمعتبر في «إذا» أن يكون المشروط بها متحقّق الوقوع بمعنى أنّ ذلك هو الأصل فيها وإن جاز التخلّف لمانع ، فينبغي أن يكون استعمالها هنا في كلام الإمام (عليه السلام) جارياً على مقتضى الأصل الشائع في عبارات البلغاء لانتفاء الدليل الصارف ، فيكون الرجوع المشروط بها متحقّقاً ، ولذا جيء معها بلفظ الماضي لكونه أدلّ على الوقوع من غيره بحسب الوضع.
ويؤكّد ذلك ويحقّقه أنّ الرجوع في قوله (عليه السلام) «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً» قد عطف على الذهاب المتحقّق قطعاً فيكون تابعاً له في التحقّق كما أنّه تابع له في الاشتراط واستعمالها في المعنى الأعمّ أو في المعنيين إن صحّ خروج عن الأصل والظاهر من غير دليل.
ويدلّ على تحقّق الرجوع أنّ هذا الكلام قد سيق لرفع استبعاد السائل حيث استقلّ البريد واستبعد حصول المسافة به ، والاستبعاد إنّما يرتفع إذا تحقّق الرجوع وتضاعفت به المسافة وكان الواقع منه بريدين شاغلين لليوم ، وأمّا مجرّد فرض الرجوع من دون تحقّق فلا يرتفع به الاستبعاد ولا يتمّ به المراد ، فإنّ الاستبعاد إنّما هو للقلّة والقليل إنّما يصير كثيراً بانضمام غيره لا بفرض انضمامه.
وأيضاً فقوله (عليه السلام) «شغل يومه» ينادي بأنّ شغل اليوم حدّ لمسافة القصر وأصل يرجع إليه في الباب ، ولو كان البريد الواحد كافياً لسقط اعتبار شغل اليوم بالمرّة وكان التعليل به تعليلا بما لا أصل له في الشرع ولا تأثير له في القصر ، فيكون كما لو علّل القصر في الثمانية بصيرورتها ستّة عشر بالعود أو القصر بمسير