كان ليومه بقرينة الجزاء الدالّ على شغله بالفعل ، وحمله على وجود ما يشغل اليوم ليطابق إطلاق الشرط وإن كان ممكناً إلاّ أنّ الترجيح للأوّل لقوّة الدلالة في جانب الجزاء ، فيكون تحكيمه على الشرط أولى من العكس ، ولأنّ تقييد المطلق كثير شائع فهو كالتخصيص خيرٌ من المجاز ، بل هو في معنى التخصيص المقدّم عليه بالإجماع ، وربّما ترجّح عليه بعدم وضع المطلق للعموم فيكون تقييده أهون من تخصيص العامّ ، مع ما في هذا الإطلاق من الكلام ، فقد سمعت استدلال الشيخ (١) وغيره (٢) بمثل ذلك على اشتراط الرجوع لليوم مع خلوّه عن مثل هذه القرينة الموجبة للتقييد فكيف مع وجودها ، والعمدة تبادر الفعلية من هذه الشرطية من دون تردّد فيكون الحمل عليها متعيّناً ، لأنّ المعنى المتبادر من اللفظ هو الحجّة وإن استلزم تأويلا في بعض أجزائه. ومن هذا يعلم رجحان البناء على فعلية الشغل وإن استلزم ارتكاب التقييد في المنطوق والمفهوم معاً على تقدير عموم المفهوم كما تقدّم لتبادر الفعلية المقتضي للحمل عليها وإن تعدّد به التقييد.
(الثالث) أنّ أقصى ما دلّت عليه الرواية بعد تقييد الرجوع بما كان في اليوم هو وجوب التقصير في البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه كان شاغلا له ، وهذا لا يدلّ على تحقّق الرجوع في اليوم ولا على فعلية الشغل له ، لأنّ صدق الشرطيّة لا يتوقّف على وجود الشرط والجزاء بل على وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط ، ومقتضى ذلك تحقّق شغل اليوم على تقدير تحقّق الرجوع ، وأين هذا من القطع بتحقّقه في الواقع.
والجواب : أنّ الشرطية من حيث هي شرطيّة وإن كانت كذلك إلاّ أنّها تختلف باختلاف أدوات الشرط ووجود القرائن والأدلّة المقتضية لتعيين الوجود أو العدم وانتفائها ، فقد صرّح علماء البيان (٣) وغيرهم (٤) بأنّ «إذا» للجزم بالوقوع و «لو»
__________________
(١ و ٢) تقدّما في ص ٥٨٧.
(٣) المطوّل : ص ١٥٦ ـ ١٥٧.
(٤) كما في مجمع البيان : ج ١ ص ٥٨ وفي جامع المقدّمات (كتاب الهداية) : ص ٢٤٦ – ٢٤٧ (انتشارات علمي).