وأمّا ما دلّ من الأخبار على عدم اشتراط الرجوع لليوم (١) ـ وفيه صحيحة زرارة المشار إليها في الإيراد ـ فذلك لاستلزامه عدم اعتبار الشغل بالفعل معارض لما دلّ على اعتباره كهذا الحديث ، ونحن لا ندفع وجود المعارض له وإنّما ندّعي ظهوره في المعنى المذكور ، وللكلام في المعارض وعلاج التعارض محلّ آخر.
والحاصل : أنّ غرض المعترض إمّا نفي ظهور الحديث فيما قلناه أو وجوب صرفه عن الظاهر لمكان المعارض ، فالأوّل باطل ، إذ لا ريب في أنّ الظاهر من قوله «شغل يومه» أنّه شغله بالفعل. وأمّا الثاني ـ فمع خروجه عن طريق البحث حيث إنّ المقصود أصل الظهور لا البناء على الظاهر ـ إنّما يتمّ بعد استقصاء الأدلّة من الطرفين وترجيح ما دلّ على النفي ولم يتحقّق شئ من ذلك.
ولعلّك تقول : إنّ الغرض هو الأوّل ، لأنّ الظاهر إرادة استبعاد السائل بالأمر الثابت المتقرّر بغير هذا الحديث وليس إلاّ أخبار مسير اليوم وبياض اليوم وهي ظاهرة في العموم بمقتضى العرف وفهم الأصحاب واقتران الأمرين المذكورين في الروايات بنحو الثمانية والبريدين ممّا لا يراد قطعه في يوم واحد ، فيكون شغل اليوم هنا أعمّ من شغله بالفعل بمقتضى الحوالة المقتضية للتوافق والتبعية في المعنى ، ولا ينافي ذلك اختصاص مورد تلك الأخبار بالسير الممتدّ ، لأنّ الاستبعاد يرتفع بالمشاكلة والتنظير ولا يتوقّف على الفردية والدخول ، والمراد أنّه لا استبعاد في التقصير بالبريد لأنّه يشغل اليوم بالعود فيكون كمسير اليوم الواقع في الذهاب وإن لم يكن منه.
وفيه : أنّ رفع الاستبعاد المقصود في الحديث لا يجب أن يكون بالأمر المتقرّر في غيره ، بل يكفي فيه حصول شغل اليوم المقتضي تضعيف المسافة وظهور المشقّة الّتي هي علّة القصر في السفر ، هذا معلوم من دون إحالة على التحديد
__________________
(١) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة المسافر ج ٥ ص ٤٩٩.