الشغل بالفعل لا مجرّد الإمكان كان الشاغل في الصغرى المستفادة منه هو الشاغل بالفعل ، فوجب أن يكون ذلك هو المراد بالشاغل في الكبرى المطوية ، لأنّ المقدّمة المطوية في القياس إنّما يقدّر على وفق المذكورة فيه ، فإنّ المذكور أصل في المقدّر وطريق إليه والمقدّر تابع له ومأخوذ منه ، وتقدير المقدّمة المطوية هنا على وفق المذكورة ممكن فلا يعدل عنه إلى غيره.
قولكم : وجوب التقصير منوط بما يشغل اليوم مطلقاً لا بما يشغله بالفعل ، قلنا : هذا مسلّم في المسافة الامتدادية دون الملفّقة فإنّ الأصحاب قد اكتفوا بمطلق الشاغل في السير الممتدّ ، وأمّا الملفّق فقد اختلفوا فيه أشدّ الاختلاف والأكثرون اشترطوا فيه الرجوع لليوم (١) ، وهو ملزوم شغل اليوم بالفعل ، فيكون هذا هو مناط القصر عندهم في هذا القسم ، وأمّا ما يشغل اليوم مطلقاً فهو على قولهم حدٌّ للمسافة الامتدادية خاصّة لا لمطلق المسافة ، ولا يلزم من الاكتفاء به في الامتداد أن يكتفى به في التلفيق ، لجواز اختلافهما في الحكم وبطلان استبعاد الفرق إذا اقتضته الأدلّة الشرعية وإمكان التفرقة بينهما مضافاً إلى النصّ ، لظهور تحقّق السفر في الثمانية الامتدادية بنفسها ، فلا يحتاج إلى اشتراط أمر زائد ، بخلاف الملفّقة فإنّ المسافة فيها حقيقة هي البريد ، فالمعتبر معه شغل اليوم بالفعل ليتّصل المسير ويتبيّن السفر ويظهر فيه المشقّة الّتي هي علّة للقصر جبراً لما فيه من الوهن.
وأمّا الأخبار فأقربها إلى التحديد بالشاغل أحاديث بياض اليوم ومسير اليوم (٢) ، وهي مع عدم صراحتها في العموم مخصوصة المورد بالسير الامتدادي كما علم ممّا سبق في بيان مدلول القسم الأوّل من أخبار المسألة ، فلا تنافي اشتراط شغل اليوم بالفعل في السير الملفّق.
__________________
(١) منهم ابن حمزة في الوسيلة : في السفر ص ١٠٨ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : في السفر ص ٩٢ ، والعلاّمة في إرشاد الأذهان : في السفر ج ١ ص ٢٧٤.
(٢) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ١ و ٧ و ١١ و ١٦ ج ٥ ص ٤٩٠ ـ ٤٩٣.