السفر البريد إمّا مطلقاً أو مع الرجوع ، والبرد متساوية في الشدة من جهة المسافة ، وما من بريد أشدّ من بريد وهذا الوجه.
وما رواه الشيخ في الصحيح أو الموثّق بالحسن بن عليّ بن فضال والأصحّ الأوّل عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : في كم أُقصّر الصلاة؟ قال : في بريد ، ألا ترى أنّ أهل مكّة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير (١). وفي الحديث دلالة واضحة على أنّ عرفة على بريد من مكّة لا أقلّ ولا أكثر ، فإنّها لو كانت أقلّ لم يجز فيها التقصير ولو كانت أكثر لاحتمل استناد القصر إلى الزائد فلا يصحّ الاستشهاد والاستدلال به على التقصير في بريد. ويدلّ على ظهور الحكم بالتقصير للذاهب إلى عرفات في ذلك العصر ، والظاهر أنّه لاستشهاد الحكم به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يشعر به الحديث الآتي.
وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : في كم التقصير؟ قال : في بريد ، ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصّروا (٢). وهذا كسابقه في الدلالة على أنّ عرفة على بريد من مكّة أربعة فراسخ دون زيادة ولا نقصان. وقوله (عليه السلام) «ويحهم» أي ويح أهل مكّة أو ويح المتمّين بعرفات كأنّهم أي كان * أو بقيّة الصحابة منهم لم يحجّوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصّروا في عرفات تأسّياً به (صلى الله عليه وآله) حيث قصّر.
وفيه إشكال فإنّه (عليه السلام) كان مسافراً حين خرج من المدينة واستمرّ سفره حتّى ذهب إلى عرفات ، فكان قصره مستنداً إلى سفره الطويل الّذي هو أضعاف المسافة لا إلى إنشائه السفر إليها من مكّة. فلا يتمّ الاستشهاد بفعله على أهل مكّة الخارجين من أوطانهم إلاّ إذا ثبت انقطاع سفره بالعزم على الإقامة في مكّة قبل مسيره إلى عرفات أو ببقاء ملكه السابق الّذي استوطنه وهو فيها.
__________________
* ـ كذا وجد ، ولعلّ أصل العبارة أي كأنّ أهل مكّة فلتراجع (مصحّحه).
__________________
(١ و ٢) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ في الصلاة في السفر ح ٨ و ١١ ج ٣ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩.