وأمّا ما قاله الأكثر من أنّ منتظر الرفقة إنّما يقصّر إذا قطع تمام المسافة ثمانية فراسخ فالظاهر أنّه مبنيّ على ما ذهبوا إليه من اشتراط الرجوع في يوم الذهاب ، لعدم حصول هذا الشرط مع فرض الانتظار في الغالب ، ولو فرض الانتظار وقتاً يتحقّق معه ذلك أو فرض العزم على الرجوع من غير انتظار وجب القصر لوجوب المقتضي وانتفاء المانع على هذا التقدير.
فالحديث لا يخالف المشهور إلاّ في عدم اعتبار الرجوع ليومه وسائر الأحكام المستفادة منه موافقة لمذهب الأصحاب وقواعدهم المقرّرة في هذا الباب ، لكن يجب ارتكاب التقييد في موضعين منه ، أحدهما : قوله «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أو انصرفوا» فإنّه محمول على ما إذا لم يتحقّق منهم العزم على عشرة أيّام ولا التردّد في المحلّ ثلاثين يوماً ، فإنّه إذا حصل أحدهما انقطع السفر به فوجب الإتمام في المحلّ وفي العود لعدم بلوغه وحده حدّ المسافة. وثانيهما : قوله (عليه السلام) في الصورة الثانية «فإذا مضوا فليقصّروا» فإنّه يُحمل على ما إذا كان الباقي مسافة وإلاّ لوجب الإتمام لانقطاع حكم السفر بالتردّد ، فيحتاج عود القصر إلى مسافة متجدّدة ، لأنّ الباقي لا يضمّ إلى الماضي مع وجود القاطع.
وقد ظهر بما ذكرناه في بيان هذه الأخبار دلالة الجميع نصّاً أو ظاهراً على اختلافها في مراتب الظهور على اشتراط الرجوع لمريد الأربعة وعدم اشتراط وقوعه في يوم الذهاب ، ومقتضى ذلك وجوب التقصير فيها لمن أراد الرجوع مطلقاً سواء وقع الرجوع ليومه أم لا. وهذا إمّا لأنّ الثمانية الملفّقة داخلة في مطلق الثمانية الّتي جعلت حدّ التقصير كما هو الظاهر من صحيحة زرارة (١) ومرسلة صفوان (٢) ورواية إسحاق بن عمّار (٣) أو لأنّها في حكمها في إيجاب القصر وإن لم
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٥٥.
(٢) تقدّم في ص ٣٥٩.
(٣) تقدّم في ص ٣٦١.