صرّح فيه بأنّ التقصير إنّما هو في البريدين وأنّه لا يكون في أقلّ من ذلك ، فإذا ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا وجب عليهم القصر لحصول المسافة لهم بالتلفيق ، والحديث نصّ صريح في اشتراط الرجوع وعدم وقوعه في يوم الذهاب. أمّا الثاني فظاهر ، لأنّ السائل قد أخذ في سؤاله أنّهم أقاموا ينتظرون الرجل الّذي لا يستقيم سفرهم إلاّ به أيّاماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون ، وقد أجاب (عليه السلام) بأنّهم إن كانوا قد بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أو انصرفوا ، ولو كان الرجوع لليوم شرطاً لأمرهم بالإتمامللقطع بانتفاء الشرط في ذلك الفرض. وأمّا الأوّل فلأنّ تتمّة الحديث الموجودة في «المحاسن والعلل» دلّت على أنّ التقصير إنّما يكون في بريدين لا في أقلّ من ذلك ، فإنّ القصر إنّما وجب عليهم إذا ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا لحصول الثمانية الّتي هي شرط فيه ، وما ذلك هنا إلاّ بالتلفيق بين الذهاب والرجوع فكان الرجوع شرطاً.
وبيان ذلك : أنّهم إذا قطعوا أربعة فراسخ ثمّ تردّدوا في المضي والانصراف كانوا على يقين من حصول المسافة وهي الثمانية ، فإنّهم إذا مضوا فقد حصلت لهم بالذهاب وإذا انصرفوا فمجموع الذهاب والإياب فهي حاصلة لهم على كلّ حال بخلاف ما إذا ساروا أقلّ من أربعة فإنّها إنّما تتحقّق على تقدير المضي وهو غير معلوم ، فلا يحصل لهم العلم بالشرط. وإنّما اكتفى (عليه السلام) بتعليل القصر إذا ساروا أربعةً وأرادوا الانصراف لأنّ هذا هو المحتاج إلى البيان لخفائه ، وأمّا القصر على تقدير المضي فهو معلوم من وجوبه في ثمانية الذهاب ، فالحديث بتتمّته المذكورة صريح الدلالة في اشتراط الرجوع ، وأمّا بدونها فهو محتمل له ، ولكون الأربعة مسافة بنفسها كما ذهب إليه الكليني (رحمه الله) ومن ثمّ اقتصر في «الكافي» على صدر الحديث وهو القدر الّذي لا ينافي مذهبه ، وقد توجّه دلالة الصدر بمعونة الأدلّة الدالّة على اشتراط الثمانية فإنّ الجمع بينها يقتضي اعتبار التلفيق في الأربعة كما هو المطلوب.
وكيف كان ، فالتلفيق معتبر في هذا الحكم ولا ينافيه انتفاء العزم على الرجوع