فيمن أجابه (١) نحو بيت المقدس ، وقد اجتمع إليه بشر كثير. فلمّا بلغ إرميا إقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ، ومعه الأمان الّذي كتبه له بخت نصر. فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده وأصحابه. فصير الأمان على خشبة (٢). ورفعها.
فقال : من أنت؟
فقال : أنا إرميا النّبيّ الّذي بشّرتك بأنّك سيسلّطك الله على بني إسرائيل. وهذا أمانك لي.
قال : أمّا أنت فقد آمنتك. وأمّا أهل بيتك فإنّي أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس.
فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس ، فلا أمان لهم عندي. وإن لم تصل ، فهم آمنون.
وانتزع قوسه. ورمى نحو بيت المقدس. فحملت الرّيح النّشابة حتّى علقتها في بيت المقدس.
فقال : لا أمان لهم عندي.
فلمّا وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة ، وإذا دم يغلي وسطه. كلّما ألقي عليه التّراب خرج وهو يغلي.
فقال : ما هذا؟
فقالوا : هذا دم نبيّ كان لله. فقتله ملوك بني إسرائيل. ودمه يغلي. كلّما ألقينا عليه التّراب ، خرج يغلي.
فقال بخت نصر : لأقتلنّ بني إسرائيل أبدا حتّى يسكن هذا الدّم.
وكان ذلك الدّم ، دم يحيى بن زكريا ـ عليهما السّلام. وكان في زمانه ملك جبّار يزني بنساء بني إسرائيل. وكان يمرّ بيحيى بن زكريا ، فقال له يحيى : اتّق الله ، أيّها الملك! لا يحلّ لك هذا.
فقالت له امرأة من اللّواتي كان يزنى بهنّ حين سكر : أيّها الملك! اقتل يحيى.
فأمر أن يؤتى برأسه. فأتي رأس يحيى ـ عليه السّلام ـ في طشت. وكان الرّأس يكلّمه. ويقول : «يا هذا! اتّق الله. لا يحلّ لك هذا.» ثمّ غلا الدّم في الطّشت ، حتّى فاض إلى الأرض. فخرج يغلي. ولا يسكن. وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر ، مائة سنة. فلم يزل بخت نصر يقتلهم. وكان يدخل قرية قرية ، فيقتل الرّجال والنّساء
__________________
(١) «فيمن أجابه» ليس في المصدر.
(٢) المصدر : قصبة.