واختلف في صلاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بيت المقدس : فقال قوم : كانت صلاته ـ عليه السّلام ـ بمكّة إلى الكعبة. فلمّا هاجر إلى المدينة ، أمر بالصّلاة إليه. ثمّ حوّل إلى الكعبة ـ أيضا.
وقال آخرون : كانت صلاته بمكّة ـ أيضا ـ إلى بيت المقدس. إلّا أنّه يجعل الكعبة بينه وبينها. ولا يصلّي في مكان لا يمكن هذا فيه.
وقال آخرون : كان يصلّي بمكّة وبعد قدومه المدينة ، إلى بيت المقدس. ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينهما ، ثمّ أمر بالتّوجّه إلى الكعبة (١) (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) : الّلام موطّئة للقسم ، أي : والله.
(الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من علماء اليهود والنّصارى. وقيل (٢) : جميع أهل الكتاب.
(بِكُلِّ آيَةٍ) برهان وحجّة على أنّ الكعبة قبلة ، (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) : جواب القسم المضمر. سادّ مسدّ الشّرط. سواء قدّر القسم مقدّما على الشّرط ، فتعيّن كون الجواب له. ولا يصحّ جعله جزاء للشّرط أو مؤخّرا عنه فيسوغ الأمران بقرينة ترك الفاء. وهو لازم في الماضي المنفيّ. وفيه من القطع بعدم المتابعة ، ما ليس في جعله جزاء للشرط وإن أكّد بالقسم.
والمعنى : ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها (٣) بحجّة. وإنّما خالفوك عنادا.
(وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) : قطع لطمّعهم. فإنّهم قالوا : لو ثبت على قبلتنا ، لكنّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له وطمعا في رجوعه وقبلتهم وإن تعدّدت ، لكنّها تتّحد بالاتصاف بالبطلان ومخالفة الحقّ ، أو (٤) الافراد للاشعار بأنّ الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ لو تبع ، لا يمكن له المتابعة إلّا لواحد.
(وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) :
فانّ اليهود يستقبل بيت المقدس والنّصارى مطلع الشّمس. لا يرجى توافقهم ، لتصلّب كلّ حزب فيما هو. وفيه تسلية للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأنّ عنادهم لا يخصّه ، وردّ لاعتلالهم ، لأنّه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب فيما ورثوه عن أنبياء الله ، وأنّ
__________________
(١) ر : الكشاف ١ / ٢٢٠+ مجمع البيان ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.
(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٨.
(٣) أ : لشبهته تنزيلها.
(٤) ر : و.