سليمان كافرا ساحرا ماهرا. بسحره ملك ما ملك ، وقدر على (١) ما قدر. فرد الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. فقال : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ). ولا استعمل السّحر [، كما قال هؤلاء الكافرون. (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)] (٢) الذي نسبوه إلى سليمان وإلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
وكان بعد نوح ـ عليه السّلام ـ قد كثر السّحرة المموّهون (٣). فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزّمان ، يذكر ما يسحر به السحرة. وذكر ما يبطل به سحرهم ، ويردّ به كيدهم. فتلقّاه النّبيّ ، عن الملكين. وأدّاه إلى عباد الله ، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمرهم (٤) أن يقفوا به على السّحرة. وان يبطلوه. ونهاهم أن يسحروا به النّاس. وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو ، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ.
ثمّ قال ـ عزّ وجلّ : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ، حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ) ، يعني : أنّ ذلك النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أمر الملكين ، أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين ، ويعلّماهم ما علّمهما (٥) الله من ذلك. فقال الله ـ عزّ وجلّ : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ذلك السّحر وإبطاله ، (حَتَّى يَقُولا) للمتعلّم : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) وامتحان للبلاء (٦) ، ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا ، ويبطلوا به كيد السّحرة. ولا يسحروهم. «فلا تكفر» باستعمال هذا السّحر وطلب الإضرار به ودعاء النّاس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله ـ عزّ وجلّ. فأنّ ذلك كفر. قال الله تعالى : «فيتعلّمون» ، يعني : طالبي السّحر ، «منهما» ، يعني : ممّا كتبت الشّياطين على ملك سليمان ، من النّيرنجات وما (٧) أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، «يتعلّمون من» هذين الصّنفين ، (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). هذا من يتعلّم للإضرار (٨) بالناس. يتعلّمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والإيهام ، وأنّه قد دفن في موضع كذا ، وعمل كذا لتحبّب المرأة إلى
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) المصدر : والمموّهون.
(٤) المصدر : فأمرهم.
(٥) الأصل ور : علّمهم.
(٦) المصدر : للعباد. وهو الظاهر.
(٧) المصدر : مما.
(٨) المصدر : من يتعلّم الإضرار.
وأشار في الهامش إلى أنّه في بعض النسخ كما موجود في المتن هنا.