فالله وفق له ، وإن يكن غير ذلك ، فما أكثر ما نخطئ ، قال : وما هو ؟ قلتُ : هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرجَ إلى بغداد ، فقال لي : أُدعه ، فدعوتُه وكان متنحيّاً ، فدنا منه فقبّل رأسه.
وقال : جعلت فداك أوصني فقال : أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فقال مجيباً له : من أرادك بسوء فعل الله به ، وجعل يدعو على من يريده بسوء ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، فقال : يا عمُّ أوصني ، فقال : أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فقال : من أرادك بسوء فَعَلَ الله به وفعل ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، ثمّ قال : يا عم أوصني ، فقال : أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فدعا على من أراده بسوء ، ثمّ تنحّى عنه ، ومضيت معه ، فقال لي أخي : يا عليّ مكانَك فقمتُ مكاني فدخل منزله ، ثمّ دعاني فدخلتُ إليه ، فتناول صرّة فيها مائة دينار فأعطانيها. وقال : قل لابن أخيك يستعين بها على سفره ، قال عليّ : فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ، ثمّ ناولني مائة أُخرى وقال : أعطه أيضاً ، ثمّ ناولني صرة أُخرى وقال : أعطه أيضاً.
فقلت : جعلت فداك ، إذا كنتَ تخاف منه مثلَ الذي ذكرتَ ، فلِمَ تعينه على نفسك ؟ فقال : إذا وصلتُه وقطعني قطع الله أجله ، ثمّ تناول مخدَّه أدم ، فيها ثلاثة آلاف درهم وضح (١) وقال : أعطه هذه أيضاً قال : فخرجت إليه فأعطيته المائة الأُولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمِّه ، ثمّ أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتى ظننت انّه سيرجع ولا يخرج ، ثمّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلّم عليه بالخلافة ، وقال : ما ظننتُ أنّ في الأرض خليفتين ، حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة ، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه الله بالذبحة (٢) فما نظر منها إلى درهم ولا مسّه. (٣)
______________________
١. الوضح : الدرهم الصحيح. لسان العرب : ٢ / ٦٣٥ ، مادة « وضح ».
٢. الذبحة : وجع في الحلق ، أو دم يخنق فيقتل . لسان العرب : ٢ / ٤٣٨ ، مادة « ذبح ».
٣. الكليني : الكافي : ١ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦.