بنفي الصفات قائلاً :
إنّ المتأمّل المنصف ، إذا فحص عن ذلك بفكره ، علم أنّ كلاً من المخالفين قد زيّن مذهبه ، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه ، وقصد ما قصدناه ، في استعمال حرف ( لا ) في نفي (١) ما يستحق الغير عن الله تعالى ، خاصّة المعتزلة الذين صدّروا كتبهم ، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم : بأنّ الله تعالى لا يوصف بصفات المخلوقين ... وهذا من قولهم ، هو أصل مذهبنا ، وعليه قاعدة دعوتنا ، بأنّنا لا نقول على الله تعالى ، ما يقال على المخلوقين ، وهو المعتمد في توحيد معبودنا ، والمقصود في أنحاء كلامنا ، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين ، واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين ، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّ الله لا يوصف بصفات المخلوقين ، بإطلاقهم على الله سبحانه وتعالى ما يستحقه غير الله تعالى ، من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ ، عالمٌ ، وسائر الصفات ، نعوذ بالله. (٢)
ويقول علي بن محمد الوليد : إنّ نفي الصفات عنه معتقد صحيح ، لا يسوغ تركه ، لأنّ الصفات تلحق الجوهر ، إمّا في الأجسام وإمّا في النفوس ، ويكون في الأجسام كيفيات من خارجها ، كالأقدار ، والألوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ، وما يجري هذا المجرى ، وهو يتعالى عن أن يكون له داخل أو خارج.
وممّا تقرر عند كل ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره ، لا من ذاته ، ألا ترى أنّ صفات الأجسام التي هي لها ، تأتي من خارجها كالأقدار والألوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل وما يجري هذا المجرى ، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً ، ومما تقرر عند كلّ ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته. (٣)
______________________
١. وفي المصدر ( النفي ) ؛ راحة العقل : ٥٢.
٢. راحة العقل : ٥٢ ـ ٥٣. |
٣. علي بن محمد الوليد : تاج العقائدو معدن الفوائد : ٢٧. |