عن طريق الوصية (١).
وجملة (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) تبيّن آخر فرصة للوصيّة ، وهذه الفرصة الأخيرة إن فاتت أيضا فلا فرصة بعدها ... أي لا مانع أن يكتب الإنسان وصيته قبل ذلك ، بل يستفاد من الروايات أن هذا عمل مستحسن.
ولا قيمة لتلك التصورات المتشائمة من كتابة الوصية ، فالوصية إن لم تكن باعثا على طول العمر ، لا تبعث إطلاقا على تقريب أجل الإنسان! بل هي دليل على بعد النظر وتحسّب الاحتمالات.
تقييد الوصية (بِالْمَعْرُوفِ) إشارة إلى أن الوصية ينبغي أن تكون موافقة للعقل من كل جهة ، لأن «المعروف» هو المعروف بالحسن لدى العقل. يجب أن تكون الوصية متعقلة في مقدارها وفي نسبة توزيعها ، دون أن يكون فيها تمييز ، ودون أن تؤدي إلى نزاع وانحراف عن أصول الحق والعدالة.
حين تكون الوصية جامعة للخصائص المذكورة فهي محترمة ومقدسة ، وكل تبديل وتغيير فيها محظور وحرام. لذلك تقول الآية التالية : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ).
ولا يظنّن المحرفون المتلاعبون أن الله غافل عمّا يفعلون ، كلّا (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ولعل هذه الآية تشير إلى أن تلاعب «الوصيّ» (وهو المسؤول عن تنفيذ الوصية) لا يصادر أجر الموصي. فالموصي ينال أجره ، والإثم على الوصي المحرّف في كميّة الوصية أو كيفيتها أو في أصلها.
ويحتمل أيضا أن الآية تبرئ ساحة غير المستحقين الذين قسم بينهم الإرث عند عدم التزام الوصيّ بمفاد الوصية. وتقول إن هؤلاء (الذين لا يعملون
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ١٥٩.