كلمة «يظنّون» من مادة «ظنّ» وقد تأتي بمعنى اليقين (١). وفي هذا الموضع تعني الإيمان واليقين القطعي. لأن الإيمان بلقاء الله والرجوع إليه ، يحيي في قلب الإنسان حالة الخشوع والخشية والإحساس بالمسؤولية ، وهذا أحد آثار تربية الإنسان على الإيمان بالمعاد،حيث تجعل هذه التربية الفرد مائلا دوما أمام مشهد المحكمة الكبرى ، وتدفعه إلى النهوض بالمسؤولية وإلى الحق والعدل.
ويحتمل أن يكون استعمال «الظن» في الآية للتأكيد ، أي أن الإنسان لو ظنّ بالآخرة فقط ، فظنه كاف لأن يصده عن ارتكاب أي ذنب. وهو تقريع لعلماء اليهود وتأكيد على أنهم لا يمتلكون إيمانا باليوم الآخر حتى على مستوى الظن ، فلو ظنوا بالآخرة لأحسّوا بالمسؤولية ، وكفّوا عن هذه التحريفات! (٢)
* * *
بحثان
١ ـ ما هو لقاء الله؟
عبارة «لقاء الله» وردت مرارا في القرآن الكريم ، وتعني بأجمعها الحضور على مسرح القيامة. من البديهي أن المقصود بلقاء الله ليس هو اللقاء الحسّي ، كلقاء أفراد البشر مع بعضهم ، لأن الله ليس بجسم ، ولا يحده مكان ، ولا يرى بالعين. بل المقصود مشاهدة آثار قدرة الله وجزاءه وعقابه ونعمه وعذابه على ساحة القيامة ، كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسرين.
أو إن المقصود الشهود الباطني والقلبي ، لأن الإنسان يصل درجة كأنه يرى
__________________
(١) يقول الراغب في المفردات : الظن اسم لما يحصل عن أمارة متى قويت أدّت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدا لم يتجاوز حدّ التوهم.
(٢) المنار ، ج ١ ، ص ٣٠٢ ، والميزان ، ج ١ ، ص ١٥٤. وتفسير روح المعاني ، ج ١ ، ص ٢٢٨. وفي آيات اخرى إشارة إلى هذا المعنى كقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) (الكهف ،١٠).