العقل والانحراف عن الفطرة وفقدان الدين والدنيا؟!
ثم تضيف الآية : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).
نعم ، إبراهيم عليهالسلام اصطفاه الله في الدنيا ليكون «الأسوة» و «القدوة» للصالحين.
الآية التالية تؤكد على صفة اخرى من صفات إبراهيم التي هي الواقع أساس بقية صفاته العظيمة وتقول : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
هذا الإنسان المتحرر من الانشدادات الوضيعة يسارع إلى التسليم التام حال سماعه نداء ربّه : «أسلم» ، ولا يتوانى في رفض كل أوهام زمانه القائمة على عبادة النجوم والشمس والقمر ، فيتركها بعد أن رآها محكومة بالقوانين التي تسود الخليفة ويقول : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).
مرّ بنا في الآيات السابقة أن إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام بعد بناء الكعبة طلبا من الله سبحانه أن يتقبل أعمالهما ، ثم بعد ذلك طلبا أن يمنّ عليهما الله بنعمة التسليم لوجهه الكريم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ومثل هذا طلباه لذريّتهما : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).
ذلك لأن الخطوة الاولى في سموّ الشخصية الإنسانية الطهر والإخلاص ، ومن هنا أسلم إبراهيم عليهالسلام وجهه لربّه دون سواه ، ولذلك عرف هو ودينه بهذا العنوان.
حياة إبراهيم عليهالسلام بأجمعها كانت مفعمة بأعمال جسيمة نادرة ، نضاله المرير ضد المشركين ، صموده الكبير في قلب النيران ، هذا الصمود الذي أثار إعجاب نمرود الطاغية نفسه حيث راح يردد دون وعي : من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله إبراهيم (٢).
وكذلك إسكان الزوج والطفل الرضيع في تلك الأرض الجافة القاحلة ...
__________________
(١) الأنعام ، ٧٩.
(٢) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٤٣٩.