فرفع (١) جعفر الصادق رضى الله عنه يديه وقال : «اللهمَّ اغفر للكميت ما قدّم وأخّر ، وما أسرَّ وأعلن ، وأَعطه حتى يرضى». ثمّ أعطاه ألف دينار وكسوة ، فقال له الكميت : والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيتُ من هي في يديه ، ولكنَّني أحببتكم للآخرة ، فأمّا الثياب التي أصابت أجسادكم فإنّي أقبلها لبركتها ، وأمّا المال فلا أقبله.
روى أبو الفرج في الأغاني (٢) (١٥ / ١١٩) عن عليّ بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، قال : كان هشام بن عبد الملك قد اتّهم خالد بن عبد الله ، وكان يُقال : إنَّه يريد خلعك ، فوجد بباب هشام يوماً رقعةً فيها شعرٌ ، فدخل بها على هشام فقرئت عليه :
تألّقَ برقٌ عندنا وتقابَلَتْ |
|
أَثافٍ لِقدْرِ الحَربِ أخشى اقتبالها |
فدونَك قِدرَ الحربِ وهي مُقِرَّةٌ |
|
لكفّيك واجعل دون قِدرٍ جعالها |
ولن تنتهي أو يبلغَ الأمرُ حدّهُ |
|
فَنلْها برسْلٍ قبل أن لا تنالها |
فتجْشَمَ منها ما جَشَمْتَ مِنَ التي |
|
بسوراء هرّت نحو حالكَ حالها |
تلافَ أمورَ الناس قبل تفاقُمٍ |
|
بعَقدَةِ حَزْمٍ لا يُخاف انحلالها |
فما أبرمَ الأقوامُ يوماً لحيلةٍ |
|
من الأمر إلاّ قلَّدوك احتيالها |
وقد تُخبِرُ الحربُ العوانُ بسرّها |
|
وإن لم يَبُحْ مَن لا يريدُ سؤالها |
فأمر هشام أن يجتمع له من بحضرته من الرواة فَجُمِعوا ، فأمر بالأبيات فقرِئت عليهم ، فقال : شعر من تشبه هذه الأبيات؟ فأجمعوا جميعاً من ساعتهم أنَّه كلام الكميت بن زيد الأسدي. فقال هشام : نعم هذا الكميت ينذرني بخالد بن عبد الله.
ثمَّ كتب إلى خالد يخبره ، وكتب إليه بالأبيات ، وخالد يومئذ بواسط ، فكتب خالد إلى واليه بالكوفة يأمره بأخذ الكميت وحبسه ، وقال لأصحابه : إنَّ هذا يمدح بني هاشم ويهجو بني أميّة ، فأتوني من شعر هذا بشيء ، فأُتي بقصيدته اللاميّة التي أوّلها :
__________________
(١) كذا في المصدر بالفاء.
(٢) الأغاني : ١٧ / ١٨.