إليه فرأيته ، فقلت : يا أبه ها هو ذاك على بغلة شهباء ، عليه قباءٌ أبيض وقلنسوةٌ بيضاء. قال : فاسترجع وقال : والله ما هذا بيوم ذات السلاسل ولا بيوم اليرموك ولا بيوم أجنادين ، وددت أنَّ بيني وبين موقفي بُعد المشرقين.
هذا هو الذي عرفه منه معاصروه ، وستقف على أحاديثهم ، نعم جاء ابن عبد البرّ بعد لأيٍ من عمر الدهر ، فتهجّس في الاستيعاب (١) فعدّه من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهليّة ، مذكوراً بذلك فيهم. ولعلّ ابن منير (٢) المولود بعد ابن عبد البرّ بعشر سنين وقف على كلامه في الاستيعاب وحكمه ببطولة الرجل ، فقال في قصيدته التتريّة :
وأقول إن أخطا معا |
|
ويةٌ فما أخطا القَدَرْ |
هذا ولم يَغْدُرْ معا |
|
ويةٌ ولا عمروٌ مَكَرْ |
بطلٌ بسوأتهِ يقاتلُ |
|
لا بصارمِهِ الذَكَرْ |
فإليك ما يُؤثر في مواقفه ، حتى ترى عيَّه عن القُحوم إلى الفوارس في مضمار النضال ، والدنوّ من نقع الحومة ، وتقف على حقيقته من هذه الناحية أيضاً ، وتعرف قيمة كلام ابن حجر في الإصابة (٣ / ٢) : من أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرِّبه ويدنيه ، لمعرفته وشجاعته. ولا نسائله متى قرّبه وأدناه.
أمير المؤمنين وعمرو
في معترك القتال بصفّين
كان عمرو بن العاص عدوّا للحرث بن النضر الخثعمي ، وكان من أصحاب عليٍّ عليهالسلام ، وكان عليٌّ قد تهيّبته فرسان الشام ، وملأ قلوبهم بشجاعته ، وامتنع كلٌ
__________________
(١) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٨٨ رقم ١٩٣١.
(٢) أحد شعراء الغدير في القرن السادس ، تأتي هناك [في الجزء الرابع] قصيدته التترية ، وترجمته. (المؤلف)