فإن أصله التقديم على الحال ، نحو «جاء زيد راكبا» وكالعامل فإن أصله
التقديم على معموله ، نحو «عرف زيد عمرا ، وكان زيد عارفا ، وإن زيدا عارف»
وكالفاعل ، فإن أصله التقديم على المفعولات وما يشبهها من الحال والتمييز ، نحو «ضرب
زيد الجاني بالسوط ، يوم الجمعة أمام بكر ضربا شديدا ، تأديبا له ، ممتلئا من
الغضب» ، «وامتلأ الإناء ماء» وكالذي يكون في حكم المبتدأ من مفعولي باب «علمت»
نحو «علمت زيدا منطلقا» أو في حكم الفاعل من مفعولي باب «أعطيت» و «كسوت» نحو «أعطيت
زيدا درهما ، وكسوت عمرا جبّة» وكالمفعول المتعدّى إليه بغير واسطة فإن أصله
التقديم على المتعدّى إليه بواسطة ، نحو «ضربت الجاني بالسّوط» وكالتوابع ، فإن
أصلها أن تذكر بعد المتبوعات.
وثانيهما : أن
تكون العناية بتقديمه ، والاعتناء بشأنه ؛ لكونه في نفسه نصب عينك ، والتفات خاطرك
إليه في التزايد ، كما تجدك قد منيت بهجر حبيبك ، وقيل لك : ما تتمنى؟
تقول : وجه
الحبيب أتمنى ، وعليه قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ) [الأنعام : الآية ١٠٠] أي على القول بأن «لله شركاء» مفعولا «جعلوا».
أو لعارض يورثه
ذلك ، كما إذا توهّمت أن مخاطبك ملتفت الخاطر إليه ، ينتظر أن تذكره ، فيبرز في
معرض أمر يتجدّد في شأنه التقاضي ساعة فساعة ، فمتى تجد له مجالا للذكر صالحا
أوردته ، نحو قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا
الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) [يس : الآية ٢٠] قدّم فيه المجرور لاشتمال ما قبله على سوء معاملة أهل
القرية الرسل من إصرارهم على تكذيبهم ، فكان مظنّة أن يلعن السامع ـ على مجرى
العادة ـ تلك القرية ، ويبقى مجيلا في فكره : أكانت كلها كذلك أم كان فيها قطر ـ دان
أم قاص ـ منبت خير؟ منتظرا لإلمام الحديث به ، بخلاف ما في سورة القصص.
أو كما إذا
وعدت ما تبعد وقوعه من جهتين ، إحداهما أدخل في تبعيده من الأخرى ، فإنك ـ حال
التفات خاطرك إلى وقوعه باعتبارهما ـ تجد تفاوتا في إنكارك إياه قوة وضعفا بالنسبة
؛ ولامتناع إنكاره بدون القصد إليه يستتبع تفاوته ذلك تفاوتا في القصد إليه
والاعتناء بذكره ، فالبلاغة توجب أنك ـ إذا أنكرت ـ تتمول في الأول : شيء حاله في
البعد عن الوقوع هذه ؛ أنى يكون؟! لقد وعدت هذا أنا وأبي وجدّي ، فتقدّم المنكر
على المرفوع ، وفي الثاني : لقد وعدت أنا وأبي وجدي هذا ، فتؤخّر.
وعليه قوله
تعالى في سورة النمل : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا
نَحْنُ وَآباؤُنا) [النّمل : الآية ٦٨] ، وقوله تعالى في سورة المؤمنين : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) [المؤمنون : الآية ٨٣] ، فإن ما قبل الأولى : (أَإِذا كُنَّا
تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) [النّمل : الآية ٦٧] ، وما قبل الثانية : (أَإِذا