الأول على الثاني ، نحو «أعطيت زيدا درهما».
وإما لأن ذكره أهمّ ، والعناية به أتم ، فيقدّم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه ، لا وقوعه ممن وقع منه ، كما إذا خرج رجل على السلطان ، وعاث في البلاد ، وكثر منه الأذى ، فقتل ، وأردت أن تخبر بقتله ، فتقول : «قتل الخارجيّ فلان» بتقديم «الخارجي» ؛ إذ ليس للناس فائدة في أن يعرفوا قاتله ، وإنما الذي يريدون علمه ؛ هو وقوع القتل به ، ليخلصوا من شرّه.
ويقدّم الفاعل على المفعول إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه لا وقوعه على من وقع عليه ، كما إذا كان رجل ليس له بأس ، ولا يقدّر فيه أن يقتل ، فقتل رجلا ، وأردت أن تخبر بذلك ، فتقول : «قتل فلان رجلا» بتقديم القاتل ؛ لأن الذي يعني الناس من شأن هذا القتل ندوره وبعده من الظن ، ومعلوم أنه لم يكن نادرا ولا بعيدا من حيث كان واقعا على من وقع عليه ، بل من حيث كان واقعا ممن وقع منه.
وعليه قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام : الآية ١٥١] ، وقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) [الإسراء : الآية ٣١] قدّم المخاطبين في الأولى دون الثانية ؛ لأن الخطاب في الأولى للفقراء ؛ بدليل قوله تعالى : (مِنْ إِمْلاقٍ) فكان رزقهم أهمّ عندهم من رزق أولادهم ؛ فقدّم الوعد برزقهم على الوعد برزق أولادهم ، والخطاب في الثانية للأغنياء ؛ بدليل قوله : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) فإن الخشية إنما تكون مما لم يقع ، فكان رزق أولادهم هو المطلوب دون رزقهم ، لأنه حاصل ؛ فكان أهم ؛ فقدّم الوعد برزق أولادهم على الوعد برزقهم.
وإما لأن في التأخير إخلالا ببيان المعنى ، كقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) [غافر : الآية ٢٨] فإنه لو أخّر (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : الآية ٤٩] عن (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) [غافر : الآية ٢٨] لتوهم أن «من» متعلقة بـ «يكتم» فلم يفهم أن الرجل من آل فرعون.
أو بالتناسب ، كرعاية الفاصلة ، نحو (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) [طه : الآية ٦٧].
وإما لاعتبار آخر مناسب.
وقسم السكاكي التقديم للعناية ـ مطلقا ـ قسمين :
أحدهما : أن يكون أصل ما قدّم في الكلام هو التقديم ولا مقتضى للعدول عنه ، كالمبتدأ المعرّف ؛ فإن أصله التقديم على الخبر ، نحو «زيد عارف» وكذي الحال المعرّف ،