ولذلك كان الحكم النادر موقعا لـ «إن» لأنّ النادر غير مقطوع به في غالب الأمر ، وغلب لفظ الماضي مع «إذا» لكونه أقرب إلى القطع بالوقوع : نظرا إلى اللفظ.
قال الله تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : الآية ١٣١] أتى في جانب الحسنة بلفظ «إذا» لأن المراد بالحسنة الحسنة المطلقة التي حصولها مقطوع به ؛ ولذلك عرّفت تعريف الجنس ، وجوّز السكاكيّ أن يكون تعريفها للعهد ، وقال : وهذا أقضى لحقّ البلاغة ، وفيه نظر. وأتى في جانب السيئة بلفظ «إن» لأنّ السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ؛ ولذلك نكرت.
ومنه قوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٣٦) [الرّوم : الآية ٣٦] أتى بـ «إذا» في جانب الرحمة ، وأما تنكيرها فجعله السكاكي للنوعية ؛ نظرا إلى لفظ الإذاقة ، وجعله للتقليل ـ نظرا إلى لفظ الإذاقة كما قال ـ أقرب.
وأما قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) [الرّوم : الآية ٣٣] بلفظ «إذا» مع الضّرّ ؛ فللنظر إلى لفظ المسّ ، وإلى تنكير الضّر المفيد في المقام التوبيخي القصد إلى اليسير من الضّرّ ، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرّ ، وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من الضّر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به.
وأما قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) [فصّلت : الآية ٥١] بعد قوله عزّ وجلّ : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) [فصّلت : الآية ٥١] أي أعرض عن شكر الله ، وذهب بنفسه ، وتكبّر وتعظم ؛ فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في مسّه للمعرض المتكبّر ، ويكون لفظ «إذا» للتنبيه على أن مثله يحقّ أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به.
قال الزمخشري : وللجهل بموقع «إن» و «إذا» يزيغ كثير من الخاصة عن الصواب ، فيغلطون ، ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان كيف أخطأ بهما الموقع في قوله يخاطب بعض الولاة ، وقد سأله حاجة فلم يقضها ، ثم شفع له فيها فقضاها :
ذممت ولم تحمد ، وأدركت حاجتي |
|
تولّى سواكم أجرها واصطناعها (١) |
__________________
(١) الأبيات من الطويل ، ويروى عجز البيت الثالث :
عصاها وإن تأمر بسوء أطاعها
والبيت الثالث لسعيد بن عبد الرحمن في الأغاني ٨ / ٢٧١ ، والبيان والتبيين ٣ / ١٨٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٣ ، ولعبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أمالي القالي ٢ / ٢٢٢ ، والحماسة البصرية ٢ / ٢٦٦ ، والعقد الفريد ٦ / ١٩٢ ، وعيون الأخبار ٣ / ١٩٣.