من كان على الصفة التي هو عليها كان من مقتضى القياس وموجب العرب أن يفعل ما ذكر ، أو أن لا يفعل ، ولكون المعنى هذا قال الشاعر : [أبو الطيب المتنبي]
ولم أقل مثلك أعني به |
|
سواك يا فردا بلا مشبه (١) |
وعليه قوله :
مثلك يثني المزن عن صوبه |
|
ويسترد الدمع عن غربه (٢) |
وكذا قول القبعثرى للحجّاج (٣) لما توعده بقوله : «لأحملنك على الأدهم» : «مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب» ، أي من كان على هذه الصفة من السلطان وبسطة اليد ، ولم يقصد أن يجعل أحدا مثله.
وكذلك حكم «غير» إذا سلك به هذا المسلك : فقيل : غيري يفعل ذاك ، على معنى أني لا أفعله فقط ، من غير إرادة التعريض بإنسان ، وعليه قوله : [أبو الطيب المتنبي]
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع (٤)
فإنه معلوم أنه لم يرد أن يعرّض بواحد هناك ، فيصفه بأنه ينخدع ، بل أراد أنه ليس ممن يخدع ، وكذا قول أبي تمام :
وغيري يأكل المعروف سحتا |
|
ويشحب عنده بيض الأيادي (٥) |
فإنه لم يرد أن يعرّض بشاعر سواه ، فيزعم أن الذي قرف به عند الممدوح من أنه هجاء ؛ كان من ذلك الشاعر لا بد منه ، بل أراد أن ينفي عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم لا غير.
واستعمال «مثل» و «غير» هكذا مركوز في الطباع ، وإذا تصفّحت الكلام وجدتهما
__________________
(١) البيت من السريع ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٣٢٧ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٢) البيت من السريع ، وهو للمتنبي في ديوانه ٢ / ٣٢٧ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٣) الحجاج : هو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن قيس الثقفي ، ولّاه عبد الملك بن مروان العراق ، وكان له في القتل وسفك الدماء غرائب لم يسمع بمثلها ، بنى مدينة واسط ، وتوفي سنة ٩٥ ه. (انظر أخباره في مروج الذهب ٣ / ١٥١ ـ ١٩١ ، والكامل في اللغة ١ / ١٥٨ ، ٢٢٤ ، ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٨ ، ٢٨٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٢٩ ـ ٥٤ ، والأعلام ٢ / ١٦٨).
(٤) عجز البيت :
إن قاتلوا جنبوا أو حدّثوا شجعوا
والبيت من البسيط ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٦٢ (طبعة دار الكتب العلمية) ودلائل الإعجاز ص ١٣٩.
(٥) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.