ليتمكن الخبر في ذهن السامع ، لأن في المبتدأ تشويقا إليه ، كقوله : [أبو العلاء المعري]
والذي حارت البريّة فيه |
|
حيوان مستحدث من جماد (١) |
وهذا أولى من جعله شاهدا لكون المسند إليه موصولا كما فعل السكاكي.
وإما لتعجيل المسرّة ، أو المساءة : لكونه صالحا للتفاؤل أو التطيّر ، نحو : سعد في دارك ، والسفّاح في دار صديقك.
وإما لإيهام أنه لا يزول عن الخاطر ، أو أنه يستلذّ ، فهو إلى الذكر أقرب.
وإما لنحو ذلك.
قال السكاكي : وإما لأن كونه متصفا بالخبر يكون هو المطلوب ، لا نفس الخبر ، كما إذا قيل لك : كيف الزاهد؟ فتقول : الزاهد يشرب ، ويطرب ؛ وإما لأنه يفيد زيادة تخصيص ، كقوله :
متى تهزز بني قطن تجدهم |
|
سيوفا في عواتقهم سيوف (٢) |
جلوس في مجالسهم رزان |
|
وإن ضيف ألمّ فهم خفوف |
والمراد : هم خفوف.
وفيه نظر ؛ لأن قوله : «لا نفس الخبر» يشعر بتجويز أن يكون المطلوب بالجملة الخبرية نفس الخبر ، وهو باطل ؛ لأن نفس الخبر تصور لا تصديق ، والمطلوب بها إنما يكون تصديقا ، وإن أراد بذلك وقوع الخبر مطلقا فغير صحيح أيضا ؛ لما سيأتي : أن العبارة عن مثله لا يتعرّض فيها إلى ما هو مسند إليه ، كقولك : وقع القيام.
ثم في مطابقة الشاهد الذي أنشده للتخصيص نظر ؛ لما سيأتي : أن ذلك مشروط بكون الخبر فعليا ، وقوله : «والمراد هم خفوف» تفسير للشيء بإعادة لفظه.
قال عبد القاهر : وقد يقدّم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي ، كقولك : «ما أنا قلت هذا» أي لم أقله مع أنه مقول : فأفاد نفي الفعل عنك وثبوته لغيرك ، فلا تقول ذلك إلا في شيء ثبت أنه مقول وأنت تريد نفي كونك قائلا له ، ومنه قول الشاعر : [أبو الطيب المتنبي]
وما أنا أسقمت جسمي به |
|
ولا أنا أضرمت في القلب نارا (٣) |
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو لأبي العلاء المعري في سقط الزند ٢ / ١٠٠٤ ، والمصباح ص ١٥.
(٢) البيتان من الوافر ، وهما بلا نسبة في التبيان ١ / ١٧٢ ، والمفتاح ص ١٠٥ ، والمصباح ص ٢٧.
(٣) البيت من المتقارب ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ١١٨ (طبعة دار الكتب العلمية).