واعلم أن الفعل
المبنيّ للفاعل في المجاز العقلي واجب أن يكون له فاعل في التقدير ، إذا أسند إليه
صار الإسناد حقيقة ؛ لما يشعر بذلك تعريفه كما سبق.
وذلك قد يكون
ظاهرا ، كما في قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) [البقرة : الآية ١٦] فما ربحوا في تجارتهم.
وقد يكون خفيا
، لا يظهر إلا بعد نظر وتأمل ، كما في قولك : «سرّتني رؤيتك» أي : سرني الله وقت
رؤيتك ، كما تقول : «أصل الحكم في أنبت الربيع البقل» أنبت الله البقل وقت الربيع
، وفي «شفى الطبيب المريض» شفى الله المريض عند علاج الطبيب ، وكما في قولك : «أقدمني
بلدك حقّ لي على فلان» أي : أقدمتني نفسي بلدك لأجل حقّ لي على فلان ، أي : قدمت
لذلك ، ونظيره «محبتك جاءت بي إليك» أي : جاءت بي نفسي إليك لمحبتك ، أي : جئتك
لمحبتك ، وإنما قلنا : «إن الحكم فيهما مجاز» لأن الفعلين فيهما مسندان إلى الداعي
، والداعي لا يكون فاعلا ، وكما في قول الشاعر :
وصيّرني هواك
، وبي
|
|
لحيني يضرب
المثل
|
أي : وصيرني
الله لهواك وحالي هذه ، أي أهلكني الله ابتلاء ، بسبب هواك. وكما في قول الآخر وهو
أبو نواس :
يزيدك وجهه
حسنا
|
|
إذا ما زدته
نظرا
|
أي يزيدك وجهه
حسنا في وجهه ـ لما أودعه من دقائق الجمال ـ متى تأمّلت.
وأنكر السكاكي
وجود المجاز العقلي في الكلام ، وقال : الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية
، بجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه ـ على
ما عليه مبنى الاستعارة ، كما سيأتي ـ وجعل نسبة الإثبات إليه قرينة للاستعارة ،
وبجعل الأمير المدبّر لأسباب هزيمة العدوّ استعارة بالكناية عن الجند الهازم ،
وجعل نسبة الهزم إليه قرينة للاستعارة.
وفيما ذهب إليه
نظر ، لأنه يستلزم أن يكون المراد بـ «عيشة» في قوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) [الحاقّة : الآية ٢١] صاحب العيشة ، لا العيشة ، وب «ماء» في قوله
تعالى : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ
دافِقٍ) (٦) [الطّارق : الآية ٦] فاعل الدفق ، لا المنيّ ؛ لما سيأتي من تفسيره
للاستعارة بالكناية.
__________________