وقول أبي الطيب :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص |
|
فهي الشهادة لي بأنّي كامل (١) |
فإنّ ذمّ الناقص أبا الطيب كبغض من هو غير طائل الطرماح ، شهادة ذمّ الناقص أبا الطيب كزيادة حبّ الطرماح لنفسه.
وكذا قول أبي العلاء المعري في مرثية :
وما كلفة البدر المنير قديمة |
|
ولكنّها في وجهه أثر اللّطم (٢) |
وقول القيسراني : [أبو عبد الله محمد بن نصر]
وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا |
|
ألست ترى في وجهه أثر التّرب؟ (٣) |
وأوضح من ذلك قول جرير :
فلا يمنعك من أرب لحاهم |
|
سواء ذو العمامة والخمار (٤) |
وقول أبي الطيب :
ومن في كفّه منهم قناة |
|
كمن في كفّه منهم خضاب (٥) |
ولا يغرك من البيتين المتشابهين أن يكون أحدهما نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك ، فإن الشاعر الحاذق إذا عمد إلى المعنى المختلس لينظمه تحيّل في إخفائه ، فغيّر لفظه ، وعدل به عن نوعه ووزنه وقافيته.
ومنه النقل ، وهو : أن ينقل معنى الأول إلى غير محله ، كقول البحتري :
سلبوا ؛ وأشرقت الدّماء عليهم |
|
محمرّة ، فكأنهم لم يسلبوا (٦) |
نقله أبو الطيب إلى السيف ، فقال :
يبس النّجيع عليه وهو مجرّد |
|
عن غمده ، فكأنّما هو مغمد (٧) |
ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول ، كقول جرير :
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ٢٢٥.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في سقط الزند ص ٢٣.
(٣) البيت من الطويل ، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٨٥.
(٤) البيت من البسيط ، وهو في ديوان جرير ص ٢٣٧.
(٥) البيت من الوافر ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ١٣٧.
(٦) البيت من الكامل ، وهو في ديوان البحتري ١ / ٧٦.
(٧) البيت من الكامل ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ٩٣.