لا تنكري عطل الكريم من الغنى |
|
فالسّيل حرب للمكان العالي (١) |
علّل عدم إصابة الغنى بالقياس على عدم إصابة السيل المكان العالي كالطّود العظيم ، من جهة أن الكريم ـ لاتّصافه بعلو القدر ـ كالمكان العالي ، والغنى لحاجة الخلق إليه كالسيل.
ومن لطيف هذا الضرب قول أبي هلال العسكري :
زعم البنفسج أنه كعذاره |
|
حسنا ، فسلّوا من قفاه لسانه (٢) |
وقول ابن نباتة في صفة فرس :
وأدهم يستمدّ الليل منه |
|
وتطلع بين عينيه الثّريّا (٣) |
سرى خلف الصباح يطير مشيا |
|
ويطوي خلفه الأفلاك طيّا |
فلما خاف وشك الفوت منه |
|
تشبّت بالقوائم والمحيّا |
وأما الثاني فكقول أبي الطيب :
ما به قتل أعاديه ، ولكن |
|
يتّقي إخلاف ما ترجو الذّئاب (٤) |
فإن قتل الملوك أعداءهم في العادة لإرادة هلاكهم ، وأن يدفعوا مضارّهم عن أنفسهم ؛ حتى يصفو لهم ملكهم من منازعتهم ، لا لما ادّعاه من أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه ، ومحبته أن يصدّق رجاء الراجين بعثته على قتل أعدائه ؛ لما علم أنه كلما غدا للحرب غدت الذئاب تتوقع أن يتسع عليها الرزق من قتلاهم.
وهذا مبالغة في وصفه بالجود ، ويتضمن المبالغة في وصفه بالشجاعة على وجه تخييليّ ، أي تناهى في الشجاعة حتى ظهر ذلك للحيوانات العجم ، فإذا غدا للحرب رجت الذئاب أن تنال من لحوم أعدائه.
وفيه نوع آخر من المدح ، وهو أنه ليس ممن يسرف في القتل طاعة للغيظ والحنق. وكقول أبي طالب المأمونيّ في بعض الوزراء ببخارى : [عبد السّلام بن الحسين]
مغرم بالثناء ، صبّ بكسب |
|
المجد ، يهتزّ للسماح ارتياحا (٥) |
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان أبي تمام ٣ / ٧٧.
(٢) البيت من الكامل ، وهو في ديوان المعاني ٢ / ٢٤.
(٣) الأبيات من الوافر ، وهي في أسرار البلاغة ص ١٩٢ ، ٢٤٩.
(٤) البيت من الرمل ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ١٨٨.
(٥) البيتان من الخفيف ، وهما في أسرار البلاغة ص ٣٣٨.