وأيضا فتفسيره للتخييلية أعمّ من أن تكون تابعة للاستعارة بالكناية ـ كما في بيت الهذلي ـ أي غير تابعة بأن يتخيل ابتداء صورة وهميّة مشابهة لصورة محققة ؛ فيستعار لها اسم الصورة المحققة ، والثانية بعيدة جدا ، ويدل على إرادته دخول الثانية في تفسير التخييلية أنه قال : حسنها بحسب حسن المكنيّ عنها متى كانت تابعة لها ، كما في قولك : فلان بين أنياب المنية ومخالبها ، وقلما تحسن الحسن البليغ غير تابعة لها ؛ ولذلك استهجنت في قول الطائيّ : [أبو تمام]
لا تسقني ماء الملام ، فإنني |
|
صبّ قد استعذبت ماء بكائي (١) |
فإن قيل : لم لا يجوز أن يريد بغير التابعة للمكنّي عنها التابعة لغير المكنى عنها؟
قلنا : غير المكني عنها هي المصرّح بها ؛ فتكون التابعة لها ترشيح الاستعارة ، وهو من أحسن وجوه البلاغة ، فكيف يصح استهجانه؟
وأما قول أبي تمام فليس له فيه دليل ؛ لجواز أن يكون أبو تمام شبّه الملام بظرف الشراب ؛ لاشتماله على ما يكرهه الملوم ، كما أن الظرف قد يشتمل على ما يكرهه الشارب ؛ لبشاعته أو مرارته ؛ فتكون التخييلية في قوله تابعة للمكنى عنها ، أو بالماء نفسه ؛ لأن اللوم قد يسكن حرارة الغرام ، كما أن الماء يسكن غليل الأورام ؛ فيكون تشبيها على حدّ «لجين الماء» فيما مر ، لا استعارة ، والاستهجان على الوجهين لأنه كان ينبغي له أن يشبّهه بظرف شراب مكروه ، أو بشراب مكروه ، ولهذا لم يستهجن نحو قولهم : «أغلظت لفلان القول» و «جرّعته منه كأسا مرّة» أو «سقيته أمرّ من العلقم».
ومنها : أنه عنى بالاستعارة المكنى عنها أن يكون المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه ، على أن المراد بالمنية ـ في قول الهذلي ـ السبع بادّعاء السبعيّة لها ، وإنكار أن تكون شيئا غير السبع بقرينة إضافة الأظفار إليها.
وفيه نظر ؛ للقطع بأن المراد بالمنية في البيت هو الموت لا الحيوان المفترس ، فهو مستعمل فيما هو موضوع له على التحقيق ، وكذا كل ما هو نحوه ، ولا شيء من الاستعارات مستعملا كذلك.
وأما ما ذكره في تفسير قوله : من أنا ندّعي هاهنا أن اسم المنيّة اسم للسبع مرادف للفظ السبع بارتكاب تأويل ـ وهو : أن تدخل المنيّة في جنس السبع للمبالغة في التشبيه ـ ثم نذهب على سبيل التخييل إلى أن الواضع كيف يصح منه أن يضع اسمين لحقيقة
__________________
(١) البيت لأبي تمام في ديوانه ص ١٤ ، والمصباح ص ١٤٢ ، ومفتاح العلوم ص ٤٩٨ ، ونهاية الإيجاز ص ٢٥٤.