واعلم أنه قد
تقع بعد أداة التشبيه أمور يظنّ أن المقصود أمر منتزع من بعضها ؛ فيقع الخطأ ؛
لكونه أمرا منتزعا من جميعها ، كقوله :
كما أبرقت
قوما عطاشا غمامة
|
|
فلمّا رأوها
أقشعت وتجلّت
|
فإنه ربما يظنّ
أن الشطر الأول منه تشبيه مستقلّ بنفسه لا حاجة به إلى الثاني على أن المقصود به
ظهور أمر مطمع لمن هو شديد الحاجة إليه ، ولكن بالتأمّل يظهر أن مغزى الشاعر في
التشبيه أن يثبت ابتداء مطمعا متصلا بانتهاء مؤيس ، وذلك يتوقف على البيت كله.
فإن قيل : هذا
يقتضي أن يكون بعض التشبيهات المجتمعة كقولنا : «زيد يصفو ويكدر» تشبيها واحدا ؛
لأن الاقتصار على أحد الخبرين يبطل الغرض من الكلام ؛ لأن الغرض منه وصف المخبر
عنه بأنه يجمع بين الصفتين ، وأن إحداهما لا تدوم.
قلنا : الفرق
بينهما أن الغرض في البيت أن يثبت ابتداء مطمع متصل بانتهاء مؤيس ، كما مر ، وكون
الشيء ابتداء لآخر زائد على الجمع بينهما ، وليس في قولنا : «يصفو ويكدر» أكثر من
الجمع بين الصّفتين ، ونظير البيت قولنا : «يصفو لم يكدر» لإفادة «ثمّ» الترتيب
المقتضي ربط أحد الوصفين بالآخر.
وقد ظهر مما
ذكرنا أن التشبيهات المجتمعة تفارق التشبيه المركّب في مثل ما ذكرنا بأمرين :
أحدهما
: أنه لا يجب
فيها ترتيب :
الثاني
: أنه إذا حذف
بعضها لا يتغير حال الباقي في إفادة ما كان يفيده قبل الحذف.
فإذا قلنا : «زيد
كالأسد بأسا ، والسيف مضاء ، والبحر جودا» لا يجب أن يكون لهذه التشبيهات نسق
مخصوص ، بل لو قدّم التشبيه بالبحر أو التشبيه بالسيف جاز لو أسقط واحد من الثلاثة
لم يتغير حال غيره في إفادة معناه. بخلاف المركب ؛ فإن المقصود منه يختلّ بإسقاط
بعض الأمور.
والمتعدّد
الحسّيّ : كاللون ، والطعم ، والرائحة في تشبيه فاكهة بأخرى.
والمتعدد
العقلي : كحدّة النظر ، وكمال الحذر ، وإخفاء السّفاد ، في تشبيه طائر بالغراب.
والمتعدّد
المختلف : كحسن الطلعة ونباهة الشأن ، في تشبيه إنسان بالشمس.
__________________